تحليل المعلومات الخاطئة والمضللة في سياق الأوضاع الإنسانية والميدانية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024
في إطار جهود المرصد الفلسطيني “تحقق” للتصدي لانتشار المعلومات الخاطئة والمضللة في الفضاء الرقمي، فَنّد فريق المرصد خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 45 ادعاءً، تضمنت صوراً وفيديوهات وتصريحات متنوعة.
ويُركِّز التقرير على تحليل اتجاهات التضليل وكشف مصادره، بالإضافة إلى دراسة نطاق انتشاره وتأثيره على الجمهور. كما يبرز بشكل واضح التحولات الجغرافية المستمرة التي يستهدفها التضليل، مسلطاً الضوء على التغيرات في الأنماط والمناطق الأكثر تعرضًا للتضليل الإعلامي.
يأتي هذا التقرير استكمالاً لجهود مرصد “تحقق” في رصد وتحليل مظاهر التضليل الإعلامي، والتي بدأت منذ شهر أغسطس/آب الماضي، بدعم من الشبكة الدولية لتدقيق المعلومات “IFCN”، في إطار السعي لتعزيز الوعي وتحسين جودة المحتوى الرقمي.
المحور الأول: التصنيف العام للمعلومات
وفقاً لمنهجية المرصد الفلسطيني “تحقق” واستناداً إلى المعايير العالمية لتدقيق المعلومات، يعتمد المرصد ثلاثة تصنيفات رئيسية للمعلومات: المحتوى الخاطئ، المضلل، والضار.
وخلال شهر نوفمبر، أظهر التحليل الإحصائي المتعمق للتقارير الصادرة عن المرصد (الشكل رقم 1)، أن الادعاءات التي تم رصدها وتحليلها توزعت بين تصنيفي المحتوى الخاطئ والمضلل. حيث شكّل المحتوى الخاطئ نسبة (57.8%) من إجمالي الادعاءات التي تم رصدها، بينما بلغت نسبة المحتوى المضلل (42.2%).
ويتضح مما سبق أن المحتوى الخاطئ يشكل النسبة الأكبر بشكل ملحوظ من المعلومات التي تم تفنيدها، حيث سجل نسبة أعلى من المحتوى المضلل بفارق (15.6%). هذا يشير إلى أن البيئة الرقمية مزدحمة بالمعلومات الخاطئة التي تنتشر دون قصدية التضليل أو التلاعب، وإنما يتم نشرها غالباً دون التحقق من صحتها، كما أن العديد من هذه المعلومات تأتي في سياقات تستدعي التعاطف، مما يسهم في تسريع انتشارها دون التدقيق اللازم.
وبالمقارنة مع الأشهر الثلاثة السابقة فإن توزيع تصنيفات المحتوى خلال الفترة الممتدة منذ (أغسطس/آب إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، يشير إلى تقلبات وتغيرات في اتجاهات نشر هذه الأنواع من المعلومات عبر الأشهر، وتظهر النتائج أن المحتوى الخاطئ والمضلل هما الأكثر انتشاراً (الشكل رقم 2)، مع ميل “المحتوى المضلل” للارتفاع في نهاية الفترة بنسبة (49%)، فيما تراجع المحتوى الضار ليختفي تماماً بعد أغسطس/آب الماضي.
وبيد أن مؤشر المحتوى الخاطئ متذبذب عبر الفترة، فإن تكرار ارتفاع وانخفاض المحتوى الخاطئ عبر الأشهر يشير إلى استمرار تداول معلومات غير دقيقة، سواء بسبب نقص التحقق أو سرعة النشر دون التأكد، وهو مرتبط بتصاعد الأحداث الميدانية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية بفعل الحرب المستمرة في غزة والضفة الغربية.
أما الزيادة الملحوظة في المحتوى المضلل خلال نوفمبر/تشرين، فإنها تدل على محاولات مكثفة لنشر معلومات مضللة لتحقيق أهداف معينة (مثل التضليل المتعمد أو تغيير السياق)، وهذا يشير إلى تصاعد الحملات المنظمة لنشر معلومات مغلوطة، بالتزامن مع سياقات سياسية أو اجتماعية ساخنة، مما يشير إلى الاستفادة من الظروف لتحقيق أهداف التضليل.
وفيما يتعلق بوجود 4 حالات فقط مرتبطة بالمعلومات الضارة في أغسطس/آب واختفاؤها لاحقاً، لكون المحتوى الضار غالباً ما يرتبط بأحداث حرجة، ومع انخفاضه يمكن الاستنتاج أن المرحلة شهدت تراجعاً في الدوافع لإنتاجه.
المحور الثاني: مصادر التضليل.. منصات التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للتضليل
يستعرض الرسم البياني التالي، تصنيف مصادر التضليل التي تم رصدها خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ويُظهر (الشكل رقم 3) النسب المختلفة لكل فئة من المصادر، كما يسلط الضوء على طبيعة دورها في نشر المعلومات المضللة والخاطئة، فمن خلال تحديد هذه الفئات، يتضح مدى تأثير كل منها على الفضاء الرقمي، مما يعزز أهمية الرقابة والتدقيق في المعلومات المتداولة.
يظهر التحليل الإحصائي، أن منصات التواصل الاجتماعي تلعب دوراً محورياً في انتشار المعلومات المضللة والخاطئة، حيث تُعد المصدر الرئيسي لنشر هذا النوع من المحتوى، وذلك لسهولة الوصول والاستخدام، إذ تتيح هذه المنصات للمستخدمين الأفراد والصفحات غير الموثوقة نشر معلومات خاطئة بسرعة ودون رقابة كافية، مما يسهم في تعزيز انتشار التضليل على نطاق واسع.
ويتفرع من منصات التواصل الاجتماعي مصادرات ادعاءات متنوعة وفقًا للتالي:
- صفحات اجتماعية ومستخدمون عبر منصات التواصل الاجتماعي (91.1%):
تشكل هذه الفئة النسبة الأكبر من مصادر التضليل، حيث تُعزى هذه الظاهرة إلى الانتشار الواسع لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة لنشر المعلومات الخاطئة والمضللة بسهولة وسرعة، وضعف الرقابة أو التحقق من صحة المحتوى، إلى جانب الاعتماد المتزايد على الأفراد وصفحات غير موثوقة كمصادر للمعلومات، مما ساهم بشكل كبير في تفاقم هذه الظاهرة، وتدفق المحتوى الغير صحيح.
وتتجلى معظم الادعاءات التي كان مصدرها صفحات اجتماعية، صورًا وفيديوهات أو تصريحات.
على سبيل المثال، نشرت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا نُسب إلى وكالة “رويترز”، مفاده أن الجزائر ترفض استقبال قادة حركة “حماس” المطرودين من قطر، وتؤكد أنها ستكتفي بتقديم الدعم السياسي والإعلامي للحركة.
بعد البحث والتحري، تبين أن التصريح ملفق إذ لم يرد الخبر في الوكالة ولا في أي من المواقع الإعلامية الموثوقة، وتزامن الادعاء مع تقرير نشرته الوكالة السبت 9 نوفمبر/تشرين الثاني، حول قرار دولة قطر الانسحاب من دور الوساطة في مفاوضات وقف إطلاق النار، وعدم منطقية استمرار وجود مكتب “حماس” في الدوحة، وَسط نفي الخارجية القطرية، وقادة من الحركة طلب قطر مغادرة المكتب السياسي الدوحة.
يأتي تداول الادعاء في ظل نشره وسط تزايد الأنباء حول مفاوضات وقف إطلاق النار بين حركة “حماس” والاحتلال الإسرائيلي، مما يسهم في زعزعة الاستقرار وزيادة التوترات.
- منصات إخبارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي (4.4%):
رغم أنها أقل انتشاراً مقارنة بالمستخدمين الأفراد، إلا أن بعض المنصات الإخبارية تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة، ويعود ذلك إلى عدم التزام هذه المنصات بمعايير الدقة والمهنية، مع محاولات التلاعب بالسياق أو جذب الانتباه لتحقيق أهداف معينة، مثل زيادة التفاعل أو التأثير على الرأي العام.
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نشرت صفحات إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا مفاده أن قوات الاحتلال أطلقت النار اتجاه شاب عند حاجز دير شرف شمال غرب مدينة نابلس وأغلقت في كلا الاتجاهين.
بعد البحث والتحري، تبيَّن أن الخبر المتداول حول إطلاق قوات الاحتلال النار على شاب عند حاجز دير شرف شمال غرب نابلس غير صحيح، وفقاً للصحفي عاصف نوفل، فإن قوات الاحتلال أطلقت النار في الهواء فقط، نتيجة الأزمة المرورية الخانقة عند الحاجز، بهدف ترهيب السائقين المخالفين.
يمس الخبر بشكل مباشر الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين، حيث قد يضطرون إلى اتخاذ طرق بديلة وتغيير مسار رحلاتهم بسبب معلومات غير دقيقة تتعلق بإغلاق الحاجز، مما يسبب لهم معاناة إضافية ويعطل نشاطاتهم اليومية.
- مصادر رسمية (2.2%):
تمثل المصادر الرسمية نسبة ضئيلة من التضليل وفقًا لما رصده المرصد، حيث تكون عادةً أكثر تحفظاً ودقة في نشر المعلومات. ومع ذلك، قد يحدث أحياناً تضخيم لبعض المعلومات أو نشرها في سياقات معينة تخدم أهدافاً محددة.
على سبيل المثال، نشرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، في 7 نوفمبر الماضي، بيانًا صحفيًا قالت فيه إن إدارة سجن الدامون صادرت من الأسيرات الجلابيب والحجاب والنقاب واستبدلتها ببدلة رياضية رمادية فقط دون حجاب.
بعد البحث والتحري، من خلال التواصل مع الأسيرة المفرج عنها (طالبت بعدم ذكر أسمها)، وأكدت لـ”تحقق” أن الخبر غير دقيق، ومازالت الأسيرات المحجبات يحتفظن بحجابهن، مشيرةً إلى أن ما حصل مع الأسيرات هو عملية تفتيش ومصادرة ثوب صيفي واستبداله ببجامة شتوية لكل أسيرة.
ولاحقاً لنشر البيان، صححت هيئة شؤون الأسرى والمحررين التصريح الذي نشرته سابقًا حول قضية مصادرة حجاب الأسيرات في سجن الدامون بعد نفي الأسيرة المفرج عنها لتصريح الهيئة، حيث قالت الهيئة في بيان نشرته اليوم 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إن “إدارة سجن الدامون فرضت على الأسيرات إجراءات انتقامية والتي تضاعفت بشكل غير مسبوق منذ شهر سبتمبر/أيلول المنصرم، حيث شملت الإجراءات مصادرة الملابس التي تعتقد إدارة السجن أنها غير ضرورية وكان من بينها حجابات إضافية لدى الأسيرات”.
وأكدت الهيئة في بيانها، أن “المصادرة لم تؤدِّ فعليًا إلى نزع الحجاب من الأسيرات، حيث تحتفظ الأسيرات المحجبات بحجابهن عند الخروج للزيارة أو المحكمة أو الفورة”.
على الرغم من أن بيان الهيئة الأول لم ينطوِ على قصدية التضليل، إلا أن تأثيره كان حقيقيًا، حيث ساهم في زيادة حالة الخوف والذعر بين أهالي الأسرى، خصوصاً في ظل ما يشهده الأسرى من أوضاعٍ إنسانية صعبة داخل المعتقلات الإسرائيلية، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
- حسابات غربيّة وعبرية داعمة لإسرائيل (2.2%):
رغم أن هذه الحسابات تمثل نسبة ضئيلة من مصادر التضليل، إلا أنها تلعب دوراً ملحوظاً في نشر المعلومات التضليل عبر المنصات المختلفة، مما يجعلها مؤثرة بشكل خاص في بعض السياقات الإعلامية والسياسية، وهو ما انتشر خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان.
نشر حساب “غزة وود” وحسابات إسرائيلية وغربية، على منصة التواصل الاجتماعي “إكس” مقطع فيديو يظهر طائرة إسرائيلية محلقة في السماء، وعلق عليه بطريقة تشكيكية قائلًا: “يحاول الفلسطينيون الإبلاغ عن قيام مروحية بإطلاق صواريخ عليهم، وبالمقابل، يزعم خبراء الصواريخ الباليستية أن من السهل تمييز أن هذا مزيف”.
يأتي هذا التعليق ضمن حملة التشكيك بمعاناة الفلسطينيين في غزة بفعل الحرب المستمرة فيها، وتكذيب رواياتهم. وقد حصل الفيديو على تفاعل واسع، حيث أعادت نشره حسابات غربية وإسرائيلية.
وقف المرصد الفلسطيني “تحقق” على الادعاء المرفق مع الفيديو، من خلال البحث في المصادر العلنية، بواسطة تقنيات البحث العكسي، وبالتواصل مع المصادر الحية، إذ تبين أن الادعاء مضلل، والفيديو حقيقي لقصف إسرائيلي طال خيام النازحين في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
ووثق المشاهد الصحفي ومراسل قناة فلسطين اليوم أحمد البرش، بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ويظهر استهداف طائرة إسرائيلية لخيام نازحين في مستشفى شهداء الأقصى.
وكشف تدقيق “تحقق” أن الادعاء المشكك بصحة وحقيقة استهداف خيام النازحين في مستشفى شهداء الأقصى من قبل مروحية إسرائيلية، مضلل، ويؤكد المرصد صحة الفيديو استناداً الى الشهادات التي حصل عليها من صحفيين متواجدين في المكان، واستناداً إلى النشر الأول للفيديو بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري،عبر حساب موثقه أحمد البرش، حيث قام بتزويد المرصد بنسخة عالية الجودة من الفيديو.
تشكل هذه المصادر خطورة، لكونها تستهدف الرأي العام الدولي، وتحاول توجيهه لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وتعد المعلومات التي تنشرها المصادر الإسرائيلية، جزءًا من إستراتيجية متكررة ظهرت بشكل ملحوظ خلال الحرب على غزة.
المحور الثالث: توزيع أنماط المحتوى المضلل والخاطئ حسب التصنيف لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024
تُظهر الإحصائيات المتعلقة بتصنيفات المحتوى المضلل والخاطئ أنماطاً مهمة يمكن استثمارها لفهم ديناميكيات التضليل الإعلامي بشكل أعمق (الشكل رقم 4). فيما يتعلق بأنماط المحتوى المضلل شكلت نسبة المحتوى المتلاعب به لغايات التضليل (13.3%)، وهو يشير إلى محاولات متعمدة لتغيير أو تحريف السياقات الأصلية للحقائق بهدف التأثير على الجمهور. ويُعتبر هذا النوع شائعاً في الحملات الإعلامية الموجهة لدعم أجندات محددة أو إثارة الجدل.
أما المعلومات المضللة فقد بلغت نسبتها (6.7%)، وتعكس الاستخدام غير الدقيق أو الموجه للحقائق بحيث يتم تقديمها بطرق تقود الجمهور إلى استنتاجات خاطئة. إن انخفاض هذه النسبة مقارنة بالتلاعب يشير إلى أن صانعي المحتوى يركزون أكثر على التلاعب بالسياق بدلاً من التضليل المباشر.
وفيما يتعلق بالمحتوى المفبرك بلغت نسبته (6.7%)، ويمثل حالات التزييف الكامل للمعلومات، وهي نسبة محدودة.
أما أنماط المحتوى الخاطئ، شكل الربط الخاطئ النمط الأبرز ضمن تصنيفات المحتوى الخاطئ بنسبة (46.7%)، ويُظهر كيف يتم التأثير على الجمهور من خلال إنشاء علاقات غير دقيقة بين عناصر أو سياقات لا ترتبط ببعضها. فيما بلغت نسبة المعلومات الخاطئة (15.6%)، وتشير إلى نشر معلومات غير صحيحة دون قصد التضليل، وهو مؤشر على فجوات واضحة في عمليات التحقق من المعلومات قبل النشر.
أما المحتوى القديم فقد بلغت نسبته (11.1%)، وهو استمرار تداول الأخبار والمعلومات القديمة كأنها حديثة يبرز مشكلة إعادة تدوير الأخبار دون توضيح سياقها الزمني. هذا الأمر يساهم في تضليل الجمهور وإثارة الالتباس بشأن الوقائع.
ويتضح من النتائج أن التضليل الإعلامي يعتمد بشكل كبير على أساليب غير مباشرة، مثل الربط الخاطئ والتلاعب بالسياق، بدلاً من التزييف الكامل للمعلومات. ويُظهر ذلك تطوراً في استراتيجيات التضليل التي تستغل الثغرات في عمليات التحقق لدى المؤسسات الإعلامية والجمهور. على الجانب الآخر، استمرار تداول المحتوى القديم والخاطئ يشير إلى الحاجة الماسة لتعزيز التحقق المسبق قبل النشر، خاصة في البيئات الرقمية التي تسهّل انتشار المعلومات بسرعة.
المحور الرابع: التوزيع الجغرافي للمعلومات المضللة والخاطئة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024
تتناول هذه البيانات (الشكل رقم 5)، تحليل توزيع المعلومات المضللة والخاطئة في شهر نوفمبر 2024، مع التركيز على الجغرافيا والمصادر المرتبطة بها. يظهر التحليل أن فلسطين تستحوذ على النصيب الأكبر من المعلومات المضللة، تليها معلومات تتعلق بدول أخرى، بينما شهدت المعلومات المتعلقة بلبنان تراجعاً ملحوظاً يعزى ذلك إلى التهدئة. ويعكس التحليل تأثير الأحداث السياسية والميدانية على انتشار المعلومات المضللة ومدى تأثيرها في الرأي العام.
أظهر التحليل، أن المعلومات الخاطئة والمضللة التي تم رصدها وتفنيدها المرتبطة بشكل مباشر في فلسطين شكلت النسبة الأكبر من التضليل، حيث سجلت نسبة (42.2%)، وذلك في ظل تواصل الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والأحداث الميدانية في الضفة الغربية بشكل عام.
كما سجلت المعلومات المتعلقة بدول أخرى نسبة (40%)، وتمثلت معظمها في الضربات اليمنية الحوثية على أهداف إسرائيلية، وأخرى بالمواقف والردود الإيرانية، وهامش من المعلومات التي رصدها فريق “تحقق” المتعلقة في الاشتباكات التي اندلعت بين فصائل المعارضة السورية وجيش النظام السوري قبل سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، تداولت صفحات اجتماعية ومستخدمون عبر منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، قالوا إنه لاشتباكات مستمرة بين الجيش السوري ومسلحي هيئة تحرير الشام في ريف حلب الغربي.
بعد التحري والتحقق، من خلال البحث عنه عكسياً في المصادر العلنية بواسطة تقنيات البحث الرقمية، وتبين أنه قديم لاشتباكات سابقة بين جماعة الحوثيين ومسلحين في العاصمة اليمنية صنعاء.
ونُشر الفيديو سابقاً في منصة يوتيوب، بتاريخ 17 سبتمبر/ أيلول 2014، وأظهر المقطع حينها اشتباكات بين جماعة الحوثيين ومسلحين آخرين في مدينة صنعاء اليمنية.
وشكلت المعلومات المتعلقة بلبنان نسبة (17.8%)، وهو ما يشكل تراجعًا ملحوظًا في الادعاءات التي تم رصدها، ويعزى أيضًا إلى وقف إطلاق النار أو تهدئة الأوضاع في لبنان، مما أدى إلى انخفاض تركيز المعلومات الخاطئة والمضللة حول هذا البلد.
وأعقب وقف إطلاق النار في لبنان، فجر يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تداول صور وفيديوهات خاطئة و قديمة من أحداث سابقة، ونسبها لاحتفالات اللبنانيين تزامنًا مع وقف الحرب الإسرائيلية جنوبي لبنان.
إذ نشرت صفحات اجتماعية ومستخدمون عبر منصات التواصل الاجتماعي صورة، قالوا إنها لعودة اللبنانيين سريعًا إلى قراهم، بما فيها القرى الحدودية، تحت حماية قوات “حزب الله”.
بعد البحث والتحري من أصل الصورة تبين أنها لاستعراض عسكري لمقاتلي “حزب الله” في الضاحية الجنوبية من بيروت، بتاريخ 5 حزيران/يونيو 2000، عقب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان بعد احتلال مناطق منه عام 1982.
ونُشرت الصورة سابقًا عبر موقع وكالة “غيتي إيماجز Getty Images“، المتخصص لبيع الصور الفوتوغرافية والفيديوهات عالية الجودة، وقد عقب الموقع على الصورة بالقول: “مقاتلون من حزب الله يستعرضون في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهم يمرون بمدرعات ودبابات كانت تخص جيش لبنان الجنوبي، الذي تم حله بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان”، مشيرة إلى أن الصورة التقطها المصور رمزي حيدر ونشرتها وكالة الأنباء الفرنسية.
المحور السادس: مستويات انتشار وتأثير المعلومات المضللة والخاطئة لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024
يتناول هذا المحور تحليل مستويات انتشار وتأثير المعلومات المضللة والخاطئة التي تم رصدها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث تم تصنيف المحتوى بناءً على نطاق انتشاره وتأثيره على الجمهور. تشير البيانات ( الشكل رقم 6) إلى تفاوت واضح في مستويات انتشار هذه الأنواع من المحتوى، مما يعكس حجم تأثيرها على الرأي العام.
ويتنوع التأثير وفقًا للتالي:
- المعلومات المضللة:
- الانتشار المرتفع بنسبة (26.7%)، ويشير إلى أن نحو ربع المحتوى المضلل ينتشر على نطاق واسع، مما يزيد من تأثيره السلبي على المتلقين.
- الانتشار المتوسط بنسبة (22.2%)، مما يعني أنه يصل إلى شريحة معينة من الجمهور دون أن يتجاوزها.
- الانتشار المنخفض بنسبة (2.2%)، وتعتبر هذه النسبة قليلة للغاية، مما يدل على أن بعض الجهود في الحد من انتشار المحتوى المضلل كانت فعالة، بشكل ضئيل.
- المعلومات الخاطئة:
- الانتشار المرتفع بنسبة (24.4%)، ويمثل نحو ربع المحتوى الخاطئ الذي ينتشر بشكل واسع، ما يعكس خطورة هذا النوع من المعلومات، رغم أنها قد تكون غير مقصودة.
- الانتشار المتوسط بنسبة (20.0%)، ويشير إلى أن جزءًا ملحوظًا من المحتوى الخاطئ له مستوى متوسط من الانتشار، ما يضمن وصوله إلى شريحة واسعة من الجمهور.
- الانتشار المنخفض بنسبة (4.4%)، على الرغم من كونها نسبتها أعلى من المحتوى المضلل، فإنها تشير إلى أن تأثير بعض المعلومات الخاطئة محدود للغاية.
ويستنتج مما سبق، أن المحتوى المضلل يُعتبر الأكثر تأثيرًا عندما ينتشر على نطاق واسع، حيث يُظهر ذلك نية مقصودة لتوجيه الرأي العام نحو فكر أو موقف معين، ويشكل تهديدًا أكبر بسبب سرعته في التأثير على الجمهور وتوجيهه.
أما المحتوى الخاطئ، على الرغم من أنه أقل تأثيرًا قليلاً مقارنة بالمحتوى المضلل، فإنه يبقى ذا تأثير كبير بسبب سرعة انتشاره، فالمعلومات غير الدقيقة تنتقل بسرعة بين الأفراد، مما يزيد من خطر انتشارها على نطاق واسع.
يشير الانتشار المتوسط للمحتوى المضلل والخاطئ إلى ضرورة تعزيز الوعي الإعلامي لدى الجمهور، بحيث يجب أن يتم توعية الأفراد بكيفية التحقق من صحة المعلومات وتقليل التفاعل مع المحتوى المشبوه، لتقليص التأثير السلبي لهذه الأنواع من الأخبار.
إن النسب المحدودة للانتشار المنخفض تؤكد أن بعض المعلومات المضللة والخاطئة يمكن أن تُوقف في مراحلها المبكرة قبل أن تتسع دائرة تأثيرها، وهذه النسبة تُعد مؤشرًا إيجابيًا يعكس فعالية الجهود المبذولة لمكافحة التضليل الإعلامي.
في الختام، يعكس هذا التقرير الجهود المستمرة والمكثفة التي بذلها فريق مرصد “تحقق” في رصد وتحليل الادعاءات المضللة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني. وتُظهر النتائج بوضوح ضرورة تكثيف الجهود المبذولة لتعزيز التوعية الإعلامية، وتوفير آليات فعالة لمكافحة التضليل المنتشر على منصات التواصل الاجتماعي. يتطلب ذلك إطلاق حملات توعوية واسعة النطاق، بالإضافة إلى استخدام أدوات متقدمة للتدقيق والمراجعة لضمان دقة المعلومات وحمايتها من التأثيرات السلبية للمحتوى المضلل.