ما وراء التدقيق.. رصد وتحليل المعلومات المضللة والخاطئة خلال أغسطس/ آب 2024
مع استمرار الحرب في قطاع غزة، يتواصل تدفق المعلومات المضللة والخاطئة، ما يجعل المشهد الإعلامي أكثر تعقيداً وتشويشاً، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تتكثف جهود منصات تدقيق المعلومات، ومن بينها منصة المرصد الفلسطيني “تحقق”، للتصدي لهذا التضليل المتعمد الذي يستهدف زعزعة الثقة وتشويه الحقائق، وذلك من خلال فرز البيانات والمعلومات المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية، وفق منهجية المرصد، وذلك بهدف كشف التضليل وتصحيح المعلومات المغلوطة وإعادة توجيه الرأي العام نحو الحقائق المؤكدة.
في هذا التقرير، نزيح الستار عن جهود المرصد خلال شهر أغسطس/ آب 2024، إذ جرى تحليل 47 تقريراً ومادة وُضعت تحت المجهر بدعم من الشبكة الدولية لتدقيق المعلومات (IFCN)، لنسلط الضوء على الأنماط الرئيسية والفرعية للمعلومات المضللة والخاطئة التي شابت البيئة الرقمية في ظل النزاعات. وعبر هذا التحليل، نكشف دوافع التضليل والجهات التي تسعى إلى نشره، في محاولة لفهم واقع المعلومات في البيئة الرقمية الفلسطينية.
تحليل التصنيفات الرئيسية للمعلومات المضللة والخاطئة
بَيّن التحليل الإحصائي للتقارير ومواد التدقيق الصادرة عن المرصد أن الادعاءات التي رصدها الفريق وصححها، تركزت على المعلومات المتعلقة بالحرب في غزة بشكل خاص، والتطورات الميدانية في الضفة الغربية على وجه العموم.
وتمحورت الادعاءات التي رُصدت وصُحّحت وفق التصنيفات الرئيسية (الشكل رقم 1) المعتمدة من قبل المرصد، استناداً إلى المنهجيات والمعايير العالمية، وتشير النتائج إلى أن المعلومات الخاطئة شكلت ما نسبته (63%)، وتمثل الغالبية العظمى من المحتوى الذي جرى رصده والتحقق منه، وهذا يعكس التحدي الكبير الذي يواجهه المرصد في مواجهة الأخبار الزائفة التي تنتشر بسرعة، خاصة في الأوقات الحساسة مثل النزاعات المسلحة، وتشمل المعلومات الخاطئة قصصاً وبيانات غير دقيقة أو تحريفاً للحقائق، بالرغم من أن المعلومات الخاطئة تُنشر دون وجود للنوايا الخبيثة، ودون قصد التضليل، إلا أنها في سياق النزاعات يمكن أن تؤدي إلى تصاعد التوترات وخلق الفوضى دون قصد.
واحتلت المعلومات المضللة المرتبة الثانية في التصنيفات، حيث شكلت ما نسبته (33%)، وهي محاولات متعمدة ومخطط لها مسبقاً بعناية، بحيث تهدف إلى تضليل الجمهور بقصد إرباكهم أو التلاعب بهم، وهذا النوع من المعلومات يشكل خطراً أكبر؛ لأنه يُقدّم على أنه موثوق، لكنه في الواقع يهدف إلى خداع الجمهور، والتلاعب بالرأي العام، ويمكن لهذه المعلومات أن تؤدي إلى تعزيز الانقسامات المجتمعية وتوجيه الرأي العام بشكل مضلل.
وحملت المعلومات الضارة ما نسبته (4%) من المحتوى، لتكون بذلك صاحبة النسبة الأقل، وهي معلومات تستخدم في سياق معين بهدف إلحاق الأذى والتأثير السلبي على الجمهور، إذ تكمن خطورتها في أنها تؤثر بشكل مباشر على الأفراد أو المجتمع بالرغم من صحتها، وتهدف هذه المعلومات -بشكل أساسي- إلى إثارة الفوضى أو التسبب بضرر مقصود، وتتضمن تهديدات أمنية، أو تحريضاً على العنف، أو استهدافاً لفئات معينة في المجتمع.
ورغم أن نسبة 4% قد تبدو صغيرة، لكنها تعكس تهديداً حقيقياً يتطلب الانتباه والعناية من الجهات الرقابية.
تشير الإحصائيات إلى أن المعلومات الخاطئة والمضللة تشكل تحدياً كبيراً للمجتمع الفلسطيني بشكل عام، في حين أن المعلومات الضارة تمثل نسبة صغيرة نسبياً؛ إلا أن تأثيرها يمكن أن يكون كبيراً وخطيراً، ويعكس هذا التحدي الحاجة الملحة لتعزيز قدرات التحقق من المعلومات وزيادة الوعي حول خطورة تداول الأخبار غير المؤكدة.
ومن خلال التعامل مع هذه المعلومات، يظهر أن هناك اتجاهاً متزايداً نحو استخدام المعلومات المضللة والخاطئة كأدوات استراتيجية وتكتيكية للتلاعب بالرأي العام، خاصة في سياق النزاعات والحروب، إذ يساهم هذا في زعزعة استقرار المجتمع وتعميق الانقسامات.
لم تقتصر المعلومات التي رصدها فريق ” تحقق” على التصنيفات الرئيسية فحسب، بل تفرع منها تصنيفات أخرى فرعية متنوعة من المعلومات المدققة (الشكل رقم 2)، إذ كانت التصنيفات الفرعية للمعلومات المًضللة على النحو التالي:
- السياق المضلل بنسبة (33.3%)، وشكلت النسبة الأعلى من التصنيفات الفرعية للتضليل التي تم رصدها، وهي معلومات قد تكون صحيحة جزئياً، ولكن تم تقديمها في سياق غير مناسب أو مضلل، ما أدى إلى فهم خاطئ من قبل الجمهور، وهذه الأنواع من المعلومات خطيرة لأنها تعتمد على مزيج من الحقائق والتضليل، ما يجعل الجمهور أكثر عرضة لتصديقها.
- معلومات مفبركة بنسبة (26.7%)، وتمثل المعلومات المفبركة نسبة كبيرة من المعلومات المضللة، وهي تلك التي تكون مختلقة بالكامل أو مبنية على أساسات غير موجودة، وغالباً ما تُعدّ لتبدو كأنها حقيقية، ما يجعل من الصعب اكتشافها، خاصة إذا تُدوولت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتطلب التعامل مع هذا النوع من المعلومات مهارات عالية في التحقق وتدقيق المعلومات، إذ يمكن أن تحدث تأثيراً سلبياً كبيراً على الرأي العام.
- تمثلت المعلومات المضللة بنسبة (26.7%)، وهذه الفئة تشمل المعلومات التي تتعمد تحريف جزء من الحقيقة لتضليل الجمهور، وعلى الرغم من أنها تحتوي على حقائق جزئية، إلا أن الهدف منها هو خداع الجمهور أو تشويش الصورة الحقيقية، ووجود هذه النسبة الكبيرة يشير إلى انتشار الأساليب المعقدة في التلاعب بالمعلومات.
- المعلومات الساخرة بنسبة (13.3%)، وتمثل نسبة أقل؛ لكنها ليست أقل خطورة، ورغم أن هذا النوع من المعلومات قد يكون مصمماً للسخرية أو المزاح، إلا أنه يمكن أن يُساء فهمه ويؤدي إلى نشر معلومات غير صحيحة على نطاق واسع، ولذلك من الأهمية التمييز بين المزاح والمعلومات الحقيقية، وهو تحدٍ خاص في البيئة الرقمية.
فيما يتعلق بالمعلومات الضارة، فإن كل المعلومات الضارة التي جرى التعامل معها كانت ضمن سياق مضلل بنسبة (100%)، ما يشير إلى أن الهدف الأساسي كان تشويه الحقيقة بطريقة تؤدي إلى إلحاق الضرر المباشر، وهذا النوع من المعلومات غالباً ما يُستخدم في الظروف الحساسة، مثل النزاعات، إذ يسعى المروجون له إلى تضخيم الخلافات وإشعال الفوضى.
أما المعلومات الخاطئة فقد تنوعت التصنيفات الفرعية وفق التالي:
تفرعت من التصنيف الرئيس الخاطئ ثلاثة تصنيفات فرعية أخرى، تمثلت -في مجملها- في المحتوى البصري (الصور والفيديوهات) الذي نُشر وتُدوول بشكل واسع، وتتمثل هذه التصنيفات في الآتي:
- الربط الخاطئ بنسبة (51.7%)، وتعد النسبة الأعلى من الادعاءات التي جرى رصدها وتصحيحها، وتشكل أكثر من نصف المعلومات الخاطئة التي صُنّفت على أنها نتيجة لربط خاطئ، وهو ما يشير إلى أن هناك معلومات يجري ربطها بأحداث أو وقائع غير صحيحة، ما يؤدي إلى تشويه الفهم وتكوين انطباعات خاطئة.
- المعلومات القديمة بنسبة (27.6%)، وهي معلومات صحيحة في زمنها، لكن يُعاد نشرها وربطها بالأحداث الحالية، بالتالي فإنها تؤدي إلى ارتباك وتضليل الجمهور، لأنها سهلة التصديق، وذلك لأن إعادة نشرها تكون دون توضيح السياق الزمني الأصلي.
- المعلومات الخاطئة بالكامل بنسبة (17.2%)، وهي معلومات غير صحيحة بالمطلق، غالباً لم تهدف إلى التضليل، ورغم أن هذا النوع من المعلومات يكون أكثر وضوحاً في اكتشافه، إلا أنه يشكل تحدياً بسبب سرعته في الانتشار، خصوصاً في ذروة الأحداث والتطورات الميدانية.
في ضوء ما سبق، فإن هذه الإحصائيات تشير إلى أن طبيعة المعلومات التي يُتعامل معها تتنوع بين الفبركة الكاملة، والتحريف المتعمد، والمعلومات القديمة، والربط الخاطئ، وهذه البيانات تسلط الضوء على تنوع الأساليب المستخدمة لنشر المعلومات المضللة والخاطئة في البيئة الفلسطينية، وهو ما يلفت النظر إلى تعقيد عمليات التضليل، والتي تتطلب جهوداً مستمرة للتصدي لها.
المصادر الرئيسية للتضليل الإعلامي
كشفت نتائج التحليل لمصادر الادعاءات التي رصدها فريق “تحقق” خلال شهر آب (شكل رقم 3)، أن المصادر القائمة على الادعاءات تنوعت بين منصات اجتماعية في مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات ومواقع إخبارية، ومواقع إخبارية تقليدية، ومصادر رسمية؛ لكن التحليل أظهر أن المستخدمين الأفراد على مواقع التواصل شكلوا النسبة الأعلى في نشر التضليل، وهو ما يؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي تمثل البيئة الأكثر سرعة وسهولة في انتشار التضليل، ومن هذا الاتجاه، يُفصّل فريق “تحقق” مصادر الادعاءات على النحو الآتي:
وسائل التواصل الاجتماعي: المساحة الأكبر للتضليل
وفقاً للنتائج، فإن نسبة (69.6%) من مصادر الادعاءات، مصدرها صفحات التواصل الاجتماعي والمستخدمين الأفراد على هذه المنصات، وهو يعني أنها المساحة الأبرز للتضليل الإعلامي، ويرجع ذلك إلى طبيعة هذه المنصات التي تعتمد على التفاعل اللحظي والمشاركة السريعة، ما يسمح بتقديم المعلومات دون التحقق منها، ويعود ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها الخوارزميات التي تُعزز المحتوى الذي يثير الجدل ويحقق تفاعلاً أكبر، بغض النظر عن مصداقيته، إضافة إلى ذلك، يسمح بالبوتات والحسابات المزيفة لتضخيم المعلومات المضللة بسرعة، ما يزيد من انتشارها وتقبل الجمهور لها، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على تشكيل الرأي العام وذلك في اتجاهات محددة، خاصة في أوقات والحروب.
المنصات الإخبارية الرقمية: تأثير متزايد
شكلت المنصات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي ما نسبته (13.4%)، إذ جاءت في المرتبة الثانية من مصادر المعلومات المضللة والخاطئة، ما يشير إلى دور الإعلام الرقمي في نشر الادعاءات، غير الدقيقة والمُضللة في بعض الأحيان، ويعزو مرصد “تحقق” السبب في ذلك إلى سهولة الوصول إلى وسائل النشر والتواصل، بفضل الهواتف الذكية وشبكة الإنترنت، إذ أصبح بإمكان أي شخص نشر معلومات بسرعة هائلة، لكن بدون ضمان جودة أو دقة هذه المعلومات.
وتشير هذه النتائج إلى غياب التحقق من المصادر، فعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي توفر منصة مفتوحة للجميع، فإن منصات الإعلام الرقمي غالباً ما تفتقر إلى آليات قوية للتحقق من صحة المعلومات قبل نشرها، إلى جانب انتشار المعلومات المضللة والخاطئة بسرعة، إذ يُسهم انتشار المعلومات المغلوطة في تعقيد الأوضاع، خصوصاً في أوقات الحروب والنزاعات.
كما يعكس احتلال المنصات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي المرتبة الثانية كمصدر للادعاءات -بعد الصفحات والحسابات الشخصية- التحول الواضح في طريقة استهلاك المعلومات، إذ يعتمد الجمهور بشكل متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيس للأخبار والمعلومات، مع تجاوز وسائل الإعلام التقليدية، ويعود ذلك إلى السرعة والسهولة التي توفرها هذه المنصات في الوصول إلى الأخبار. ومع ذلك، فإن هذه المنصات تفتح المجال أمام انتشار كميات كبيرة من المعلومات المضللة، والتي يصعب في كثير من الأحيان التحقق من صحتها.
إن النسبة الكبيرة لمشاركة الأفراد في نشر المعلومات تبين مدى تأثير “الفقاعات الرقمية” التي يعيش فيها المستخدمون، وهذا يعني أن الأفراد يميلون إلى مشاركة المعلومات التي تتوافق مع آرائهم السابقة أو معتقداتهم الشخصية دون التحقق منها، ما يؤدي إلى انتشار المعلومات المضللة والخاطئة بسرعة.
الحسابات الغربية والداعمة لإسرائيل
من جهة أخرى، شكلت الحسابات الغربية والداعمة لإسرائيل ما نسبته 8.7% من المصادر، ما يعكس دور الجهات الخارجية في تقديم روايات قد تكون مضللة أو تخدم أجندات سياسية، وهو ما يؤكد استغلال منصات التواصل الاجتماعي كأداة لنشر سرديات مُضللة، تتركز في معظمها حول التشكيك بالسردية الفلسطينية بشأن معاناة الفلسطينيين في غزة جراء الحرب المستمرة فيها، من خلال الزعم بأنها مشاهد تمثيلية، وهو ما يسعى إليه مروجوها لكسب التعاطف وتمرير روايتهم المُضللة والتي تُخدم أهدافهم.
وفي هذا السياق، أكدت الدراسات حول “الحرب الإعلامية” أن الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية تسعى دائماً إلى التأثير على الرأي العام العالمي، من خلال نشر معلومات تتماشى مع مصالحها السياسية، وهو ما يعرف باسم الدبلوماسية الرقمية، وتعمل هذه الحسابات على تضخيم الروايات التي تخدم وجهة نظر معينة باستخدام استراتيجيات التأثير على العواطف السياسية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
المواقع الإخبارية التقليدية والمصادر الرسمية
شكلت المواقع الإخبارية التقليدية ما نسبته 6.52% فقط، من إجمالي مصادر المعلومات المضللة والخاطئة، ويشير ذلك إلى تراجع تأثير المواقع الإخبارية التقليدية في نقل الأخبار مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي كانت فيه هذه المواقع تمثل المصدر الرئيس للأخبار والمعلومات، فإنها -اليوم- باتت أقل تأثيراً؛ نتيجة ظهور الإعلام الرقمي والتواصل الفوري الذي توفره المنصات الاجتماعية، وقد أكدت الدراسات الإعلامية في هذا المجال أن الجماهير باتت تفضل الحصول على الأخبار بشكل فوري عبر الإنترنت، ما أدى إلى تحول كبير في أنماط الاستهلاك الإعلامي.
تشير نسبة 2.2% من الادعاءات الصادرة عن المصادر الرسمية إلى أن هذه الجهات تحتفظ بمستوى عام من المصداقية مقارنة بالمصادر الأخرى، وغالباً ما تحرص المؤسسات الرسمية على تقديم معلومات دقيقة لتجنب فقدان الثقة الجماهيرية، خصوصاً في الأوقات الحساسة، ومع ذلك تظهر هذه النسبة أن هناك حالات من التضليل قد تحدث نتيجة التحفظ في تقديم المعلومات أو تقديم معلومات مضللة وخاطئة لأسباب سياسية أو أمنية.
ويتمثل التفسير الآخر لهذه النسبة المتدنية، إلى تأخر المصادر الرسمية في تقديم المعلومات أو نشرها بشكل جزئي وانتقائي، ما يؤدي إلى خلق فراغ معلوماتي تستغله الجهات الأخرى لنشر شائعات ومعلومات مضللة.
وفيما يتعلق بطبيعة المعلومات التي أوردتها المصادر (الشكل رقم 5)، تشير الإحصاءات إلى تنوع طبيعة المعلومات التي يتم نشرها عبر المصادر المختلفة وتفاوت نسب التضليل والخطأ والضرر الناتج عن كل منها، وهي على النحو الآتي:
- الحسابات الغربية والعبرية الداعمة لإسرائيل، شكّلت المعلومات الضارة 25% من محتواها، وهو ما يعكس توجهاً مباشراً لنشر معلومات قد تؤدي إلى إلحاق الضرر أو تعزيز السرديات المنحازة في الصراع، أما النسبة الأكبر وهي 75% من المعلومات المضللة، فتُظهر تركيز هذه الحسابات على تحريف الوقائع وتوجيه الجمهور نحو استنتاجات خاطئة دون اللجوء إلى الأكاذيب الفاضحة، ما يجعل المعلومات تبدو أكثر مصداقية.
- تُعدّ الصفحات والحسابات الاجتماعية المصدر الرئيس للمعلومات الخاطئة بنسبة 81.3%، وهو ما يعكس الافتقار إلى التدقيق والتحقق من المحتوى المنشور من قبل المستخدمين، ومع ذلك، نجد أن المعلومات المضللة تشكل 15.6%، في حين تشكل المعلومات الضارة 3.1% منها، ما يشير إلى أن التضليل على هذه المنصات قد يكون أقل تعمداً، لكنه يبقى خطراً حقيقياً نظراً لانتشار المعلومات بشكل سريع.
- المصادر الرسمية كانت مسؤولة عن نشر المعلومات المضللة بنسبة 100%، وهو ما يعزز النتيجة السابقة التي خلصنا إليها بشأن التحفظ في نشر المعلومات أو تقديمها بشكل جزئي، ما ساهم في تضليل الجمهور دون تقديم معلومات خاطئة صريحة.
- تساوت المنصات الإخبارية والمواقع الإخبارية، إذ بلغت نسبة المعلومات المضللة 66.7% والمعلومات الخاطئة 33.3%، وهذه النتيجة تدل على أن المنصات الإخبارية تسعى لتقديم معلومات تبدو صحيحة لكنها محرفة، بينما تظل نسبة المعلومات الخاطئة مرتفعة بشكل ملحوظ، ما يبرز ضعف التدقيق والمراجعة التحريرية في كثير من الأحيان.
دوافع التضليل الإعلامي
تمثل دوافع التضليل عنصراً أساسياً لفهم الأهداف المخفية لمروجي الشائعات، وكيفية استغلالها لتحقيق أهدافهم، وتتنوع دوافع التضليل الإعلامي وتختلف باختلاف السياقات والأهداف المرجوة، ففي كثير من الأحيان، يكون التضليل وسيلة لتحقيق مصالح سياسية اجتماعية، إذ تتوجه العناصر المروجة لها نحو توجيه الرأي العام أو التأثير على صانع القرار لكسب هدف ما.
وفي هذا المحور، كشف تحليل “تحقق” خلال المدة من 1 حتى 31 أغسطس/ آب 2024؛ أن دافع خلق حالة من الذعر والخوف سجل النسبة الأعلى، يليه دافع خلق حالة من عدم الاستقرار، ثم تشويه السمعة، ودوافع أخرى (الشكل رقم 5) سوف يفصلها الفريق في النقاط الآتية:
زعزعة الاستقرار وخلق الذعر والخوف
أظهر التحليل أن دافع خلق الخوف والذعر سجل الغالبية العظمى من دوافع التضليل، إذ شكل ما نسبته 28.3%، إذ يستغل مروجي الشائعات هذا الأسلوب، الذي يعد الأكثر فعالية للتضليل لاعتماده على نشر معلومات كاذبة أو مبالغ بها بهدف إثارة مشاعر القلق والخوف لدى الجمهور المستهدف، ما يؤدي إلى خلق الفوضى، وتقويض الثقة النفسية بالمؤسسات.
وعلى سبيل المثال، نشر بتاريخ 28 أغسطس/ آب الفائت، خبر يفيد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أخطر أهالي مخيم نور شمس في طولكرم شمال الضفة الغربية بمغادرة المخيم خلال أربع ساعات، وذلك بالتزامن مع العملية العسكرية الإسرائيلية في طولكرم في ذلك الحين، ولكن بعد التحقق من الخبر والوقوف على تفاصيله وحيثياته، تبين وجود تضارب في التصريحات الرسمية، فبعض الجهات أفادت أن القرار كان اختياري وليس إجباري كما أشيع حينها.
إن نشر مثل هذه الأخبار في ذروة الحروب والأحداث الميدانية، يؤدي إلى خلق حالة كبيرة من الخوف والرعب، وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المواطنين، فالكثير منهم قد ينزح من منزله وبلده لأنه تعاطى مع الخبر دون التثبت من صحته، وهو ما يعمل أيضاً على زعزعة الاستقرار، وهو الدافع الذي جاء بنسبة 26.1%، والذي يؤثر على استقرار المنطقة والأفراد على حد سواء، إذ تصبح الجماهير أكثر قبولاً للتفسيرات السريعة والمضللة في ظل مناخ الخوف المتزايد.
تشويه السمعة
أظهر التحليل أن دافع تشويه السمعة شكل 10.9% من أساليب التضليل، إذ يهدف هذا الدافع إلى تشويه سمعة أفراد أو مؤسسات وتقويض مصداقيتهم، كما يهدف إلى ضرب جهات حزبية وسياسية، من خلال نشر معلومات مغلوطة لا أساس لها من الصحة، وغالباً ما يستخدم هذا النوع في أوقات الحروب والنزاعات، بهدف إضعاف الأفراد أو الجماعات والتأثير على الرأي العام، إضافة إلى التأثير السلبي على أي مسار للجهة المستهدفة.
وعلى سبيل المثال، نشر خبر بتاريخ 1 أغسطس/ آب الفائت، يدعي أن الأردن ومصر تبرعوا بوحدات دم للجيش الإسرائيلي، في وقت واصلت فيه نجمة داود الحمراء دعوة الجمهور لمواصلة التبرع بالدم لصالح جرحى الجيش الإسرائيلي والمرضى والجرحى في دولة إسرائيل.
لكن بعد التدقيق والتحقق لهذا الادعاء، تبين أنه مضلل، إذ لم تنشر “نجمة داوود” ما يفيد تبرع مصر والأردن بوحدات دم لجيش الاحتلال الإسرائيلي، كما تبين وجود خطأً في الترجمة من قبل المستخدمين ومتداولي الادعاء، في الوقت الذي أطلقت فيه الأردن سلسلة من حملات التبرع بالدم لصالح الفلسطينيين منذ الأشهر الأولى للحرب.
هذا الادعاء يؤثر بشكل كبير على العلاقات بين الدول، وصولاً إلى تشويه سمعتها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى خلق صراعات وضرب مصداقية الدول، لاسيما أن مصر -وهي طرف بالادعاء- تشارك ضمن الوساطة بين أطراف الصراع في الحرب على قطاع غزة.
إخفاء الحقائق
شكل دافع إخفاء الحقائق 8.7% من أساليب التضليل، ويعد هذا الأسلوب من الاستراتيجيات والتكتيكات للتنصل من المسؤولية والتأثير على الرأي العام، إذ يهدف إلى تمرير معلومات مضللة، ونشر تصورات مغلوطة مختلفة عن الواقع بالكامل.
تستخدم إسرائيل هذا الأسلوب بشكل متكرر عند ارتكابها المجازر ضد أهداف مدنية، للتنصل من جرائمها أمام المجتمع الدولي، فعلى سبيل المثال، نشر المتحدث باسم جيش الاحتلال في 13 آب/ أغسطس الفائت، خبراً مفاده وجود مجموعة من عناصر حركتي حماس والجهاد الإسلامي داخل مدرسة التابعين التي تعرضت للقصف في حي الدرج وسط مدينة غزة.
وزعمت إسرائيل حينها أن حماس استخدمت المدرسة كمقر عسكري للتخطيط وتنفيذ الهجمات ضد إسرائيل، ولدعم روايتها نشرت قائمة تضم 19 شخصاً قالت إنها تعود لعناصر الحركتين الذين تم استهدافهم في المدرسة.
لكن بعد التدقيق والتحري، كشف فريق “تحقق” أن القائمة التي نشرها الجيش مغلوطة، إذ تبين أنها تضم مدنيين، وبعضهم قتلوا في غارات سابقة ولم يكونوا متواجدين في منطقة الاستهداف، فيما أشارت الإحصاءات الرسمية إلى أن الضحايا جلهم من المدنيين، إذ أسفرت المجزرة عن ارتقاء 100 شخصاً وأكثر بالإضافة إلى إصابة العشرات.
في حين كشفت التحقيقات، أن المدرسة كانت تؤوي نازحين فقط، ولم يثبت بأي دليل وجود مقرات عسكرية فيها.
ما سبق يعكس بشكل واضح وصريح كيف تتعمد إسرائيل إخفاء الحقائق والتنصل من المسؤولية، في توجيه الرأي العام، وتمرير سرديتها.
التلاعب بالعواطف
وفق التحليل، شكل دافع التلاعب بالعواطف 6.5%، على الرغم أن هذه النسبة قليلة؛ إلا أن تأثيرها قوي، وتعد الأساليب التي تستهدف العواطف بشكل مباشر، إذ إن هذا النوع من التضليل يُضعف قدرة الجمهور على التفكير النقدي ويجعلهم أكثر عرضة لتبني السرديات المضللة، ويستخدم هذا التكتيك -أيضاً- في تضخيم قصص المعاناة، أو التلاعب بصور الأطفال المتضررين لإثارة مشاعر الغضب والتعاطف.
وعلى سبيل المثال، جرى تداول صور ومقاطع فيديو كثيرة لضحايا على أنهم أصيبوا خلال الحرب على غزة، لكن تبين أن بعضها يعود لحروبٍ سابقة وفي بلدان مختلفة.
وفي مثال آخر، نُشر بتاريخ 4 آب/ أغسطس الفائت، مقطع فيديو ادعى ناشروه أنه لزوجة الشهيد الصحفي إسماعيل الغول وهي تودع زوجها، لكن بعد التحقق، تبين أنه يعود لسيدة أخرى.
إن نشر هذا الادعاء يؤدي إلى التعاطف الخاطئ، الذي قد يقود إلى صرف الأنظار عن الحقائق، لاسيما أن زوجة الغول حينها لم تتمكن من وداعه.
ومن بين الدوافع التي رُصدت في التحليل أيضاً، يظهر دافع توجيه الإعلام بنسبة 8.7%، فهو يشير إلى توجيه وسائل الإعلام نحو سرديات معينة، إذ يلعب دوراً حاسماً في تشكيل الرأي العام.
ويتساوى معه في النسبة دافع التشويش على العمليات العسكرية، الذي يهدف إلى إرباك الجمهور والخصوم خلال النزاعات المسلحة، ويُعد جزءًا من استراتيجيات التضليل المستخدمة في الحروب لتقليل فاعلية العدو وإضعافه، إذ يتم التشويش على العمليات العسكرية من خلال نشر معلومات مضللة أو متناقضة، مما يخلق حالة من الفوضى والارتباك.
بالإضافة إلى ذلك، يأتي دافع التأثير على الرأي العام، والذي شكّل نسبة 2.1%، فعلى الرغم من كونه يشكل نسبة قليلة؛ لكنه قد يلعب تأثيراً قوياً في مجريات الحرب، ويؤثر في توجيه الرأي العام نحو قضية وسردية دون غيرها وفق الأهداف المرجوة.
وبناءً على هذه الإحصائيات والتحليل المتعلق في دوافع التضليل، تبين أن مروجي التضليل متخفين وراء دوافع عديدة، وهو ما يجعل الحالة الفلسطينية أكثر تعقيداً.
لقد قُدم هذا التقرير لرسم صورة شاملة ومعمقة حول التضليل الإعلامي وتداعياته، ولزيادة الوعي بالتفكير النقدي تجاه المعلومات التي نشاهدها، لا سيما خلال الأزمات والحروب، كما جاء ليسلط الضوء على أهمية تدقيق المعلومات، ويُبرز -أيضاً- أن التضليل أثناء الحروب تكتيك قد يؤثر على الرأي العام بشكل كبير، ويعد هذا التقرير ثمرة جهود فريق “تحقق” على مدار شهر أغسطس/ آب 2024.