تعاون في مواجهة التضليل: دور منصات التدقيق مسبار وتحقّق وصواب خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان
في السنوات الأخيرة، ومع التحولات المتسارعة في الفضاء الرقمي بشكل عام، بات التضليل الإعلامي أداة استراتيجية تُستخدم بشكل متزايد في سياقات النزاعات والحروب، إذ يُوجّه التضليل لخلق الفوضى والتأثير على الرأي العام بطرق غير مباشرة.
تجلّت هذه الظاهرة بوضوح خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وجنوب لبنان، إذ استُغلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة تهدف إلى زعزعة الاستقرار وتعميق الانقسامات داخل المجتمعات المتأثرة. وفي ظل هذه الحرب وما تبعها من حملات تضليل وتوجيه للرأي العام، واجهت منصات تدقيق المعلومات تحديات كبيرة دفعتها إلى تكثيف جهودها لمواجهة هذا الخطر المتزايد، وتعزيز التعاون فيما بينها لمجابهة هذه التحديات.
منذ مطلع شهر مايو/أيار الفائت، تضافرت جهود منصات التدقيق “مسبار”، و”تحقق”، و”صواب”، بهدف التصدي للتضليل خلال الحرب الجارية، ضمن رؤية الشبكة العربية لمدققي المعلومات الرامية إلى تعزيز التعاون بين المنصات في المنطقة العربية، وعمل فريق مشترك من المنصات الثلاث على إجراء دراسة شملت تحليل تقارير التدقيق التي أنتجتها هذه المنصات خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الفائتين.
وقد سعت المنصات في الدراسة إلى فهم الاتجاهات السائدة في نشر المعلومات المضللة وتحليل الإحصاءات التي جُمعت، بهدف تقديم نظرة أعمق حول استراتيجيات التضليل المستخدمة.
تحليل التضليل الإعلامي وأساليبه
أظهرت نتائج دراسة فريق التعاون (مسبار، تحقق، صواب) تعقيد مشكلة التضليل الإعلامي والأساليب المستخدمة في نشره. وشملت الدراسة مجموعة من الأساليب التي يعتمدها المضللون، مثل التلاعب بالعواطف، إخفاء الحقائق، والتأثير على الرأي العام. هذا التصنيف وفر فهمًا أعمق للآليات التي يعتمدها المضللون لتوجيه الجمهور نحو استنتاجات غير صحيحة.
وركزت الدراسة على دوافع التضليل ودوافع تدقيق الادعاءات، إذ جرى فحص الادعاءات وتصنيفها إلى تصنيفات رئيسة وفرعية بناءً على الدوافع المختلفة التي ظهرت خلال فترة التحليل.
وقد ساعد هذا التحليل في كشف الأنماط المتكررة للتضليل وفهم السياقات التي تبرز فيها الادعاءات، كما تناولت الدراسة الكلمات المفتاحية الأكثر تكرارًا في الادعاءات المضللة، مما وفر رؤية أوضح لأنماط التضليل.
دوافع التضليل: محور أساس لفهم الممارسات المضللة
تُعدّ دوافع التضليل عنصرًا أساسًا لفهم كيفية استخدام المعلومات المضللة لتحقيق أهداف محددة، سواء كانت سياسية، نفسية، أو اجتماعية. انطلاقًا من هذا، تناولت الدراسة هذه الدوافع بعمق، محللة تأثيراتها على الرأي العام واتخاذ القرارات، ووفقًا لنتائج التحليل، برزت دوافع التضليل خلال الفترة الممتدة من 1 يونيو/حزيران إلى 31 يوليو/تموز 2024، وكان التلاعب بالعواطف في المقدمة، يليه إخفاء الحقائق، ثم التأثير على الرأي العام، إلى جانب دوافع أخرى سيتم توضيحها في التقرير التالي.
التلاعب بالعواطف: سلاح التضليل في الحروب والنزاعات
أظهرت النتائج أن التلاعب بالعواطف كان الدافع الأكثر شيوعًا بنسبة 33 في المئة، وتُعدّ العواطف من أقوى الأدوات التي يستخدمها وكلاء التضليل في نشر المعلومات المضللة، إذ إن اللعب على المشاعر، سواء كانت غضبًا، خوفًا، تعاطفًا، أو كراهية، يمكن أن يطمس قدرة الجمهور على التفكير النقدي والتحقق من المعلومات. وهذه النسبة الكبيرة توضح أن المضللين يعتمدون بشكل كبير على إثارة العواطف لتحقيق أهدافهم، إذ إن المعلومات العاطفية تنتشر بسرعة أكبر وتترك تأثيرًا أقوى على الجمهور.
فعلى سبيل المثال، تمّ تداول عشرات المقاطع المصورة لضحايا وأطفال يُدّعى أنهم أصيبوا جراء الحرب الإسرائيلية الجارية، بينما تعود هذه المشاهد في الواقع إلى أحداث وحروب أخرى لا علاقة لها بالحرب الحالية على غزة وجنوب لبنان. من بين هذه المشاهد، صورة نُشرت في 21 يونيو الفائت على أنها لأب فلسطيني يحمل ابنه المبتور الأطراف نتيجة استهداف إسرائيلي. ومع ذلك، تبين بعد التحقق أن الصورة تعود إلى 21 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، وتُظهر أبًا سوريًا يحمل طفله بعد تركيب أطراف صناعية له في تركيا، وليست لأب فلسطيني يحمل ابنه المصاب خلال الحرب على غزة.
إخفاء الحقائق: تكتيك للتحكم في الرواية والتنصل من المسؤولية
يُعدّ إخفاء الحقائق من أبرز التكتيكات التي يعتمد عليها مروجو المعلومات المضللة، إذ يمثل 21 في المئة من أساليب التضليل. ويعتمد هذا التكتيك على إخفاء أجزاء مهمة من الحقيقة أو تقديم معلومات مجتزأة بهدف تشكيل رواية تخدم مصالح الجهات المروجة، إذ يتم استغلال قلة وعي الجمهور أو تحيزاتهم من خلال هذا الأسلوب، مما يسهم في نشر تصورات مغلوطة عن الواقع.
وتعكس هذه النسبة العالية أن أحد الأهداف الرئيسة للتضليل هو منع الوصول إلى الحقيقة، ما يتيح للمضللين التحكم في الرواية العامة وتوجيهها لصالحهم. يمكن أن يؤدي إخفاء الحقائق إلى اتخاذ قرارات واستنتاجات خاطئة لدى الجمهور، ويعزز مناخًا من الشك وعدم الثقة.
تستخدم إسرائيل هذا الأسلوب بشكل متكرر في الترويج لادعاءاتها، بهدف التنصل من المسؤولية عن المجازر التي ترتكبها في قطاع غزة وجنوب لبنان. على سبيل المثال، في السادس من يوليو الفائت، أعلن الحساب الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي عن هجوم استهدف عناصر من المقاومة الفلسطينية كانوا متمركزين في مبانٍ بالقرب من مدرسة الجاعوني التابعة للأونروا وسط قطاع غزة.
وزعمت قوات الاحتلال أنها اتخذت إجراءات متعددة للتخفيف من الأضرار التي قد تلحق بالمدنيين، إلا أن الحقيقة كذّبت هذه الرواية المضللة. فبحسب التحقيقات، أدى الهجوم إلى مجزرة في المدرسة التي كانت تؤوي آلاف المدنيين، مما أسفر عن سقوط 16 قتيلًا وأكثر من 75 جريحًا.
فما سبق، يعكس بشكل واضح كيف تستخدم إسرائيل إخفاء الحقائق كأداة لتجنب الانتقادات الدولية، وتوجيه الرأي العام، نحو سردية تخدم مصالحها.
التأثير على الرأي العام: استراتيجيات التضليل والتلاعب بالوعي
يُعدّ التأثير على الرأي العام أحد أهم دوافع التضليل الإعلامي، إذ شكّل هذا الدافع نسبة 13 في المئة وفقًا لنتائج التحليل، ويعتمد مروجو المعلومات المضللة على نشر محتوى يهدف إلى تغيير وتوجيه مواقف الجمهور بشكل يخدم مصالحهم، مستغلين قدرة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على الوصول إلى شرائح واسعة من الناس بسرعة وكفاءة.
وتتعمد إسرائيل أيضًا، والحسابات المرتبطة بها على منصات التواصل الاجتماعي، استخدام هذا النوع من التضليل للتأثير على الرأي العام الدولي والإقليمي. من أبرز الأمثلة على ذلك، نشر مشاهد يُزعم أنها توثق حالات تزييف من قبل الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ يتم تقديمها على أنها محاولات من قبل الفلسطينيين لإظهار أنفسهم كضحايا. في الحقيقة، كثير من هذه المشاهد تكون تمثيلية ولا علاقة لها بالوضع في غزة، بل تُستخدم كأداة للتشكيك في مصداقية الرواية الفلسطينية وتقويض الدعم الدولي لها.
تسعى هذه الاستراتيجية إلى خلق انطباع بأن معاناة الفلسطينيين مُفتعلة أو مبالغ فيها، ما يؤدي إلى تقليل التعاطف الدولي معهم وزيادة الشكوك حول صدقية تقارير حقوق الإنسان التي توثق الانتهاكات الإسرائيلية. يشكل هذا النوع من التضليل تحديًا كبيرًا لمنصات تدقيق المعلومات، إذ يتطلب الكشف عن زيف هذه الادعاءات جهودًا مكثفة ومستمرة لضمان تقديم صورة حقيقية ودقيقة للجمهور العالمي.
على سبيل المثال، نشرت حسابات إسرائيلية مشهدًا لشاب يرتدي زي صحفي يوثق مشاهد محاكاة للقصف الإسرائيلي على غزة. يُظهر الفيديو لحظة إنعاش أحد المصابين، وتم التعليق على الفيديو بأوصاف مسيئة وأخرى تشكك في مصداقية الفلسطينيين، مثل “مسرحيات غزة بلدة المليون نصاب ومحتال وكذاب وشحاد”، وذلك ضمن حملة “باليوود” التي تشكك في معاناة الفلسطينيين منذ أحداث السابع من أكتوبر.
إلا أن الفيديو مقتطع من مشاهد تمثيلية من فيلم (صحافة – Press)، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على معاناة الصحفيين الفلسطينيين خلال تغطيتهم للحرب في غزة، ونُشر الفيديو للمرة الأولى على حساب الممثل الأردني محمد نبيل في تطبيق “انستغرام” بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول الفائت. وأوضح الممثل محمد نبيل أن الفيلم صُوّر لإبراز معاناة الصحفيين في فلسطين، مع استخدام تقنيات “VF لتقديم صور واقعية، مؤكدًا أن الفيلم لم يتم تصويره في قطاع غزة، بل في الأردن.
تشويه السمعة: استراتيجية لتقويض الصدقية وبث الفوضى
يشكل دافع تشويه السمعة 9 في المئة من استراتيجيات التضليل التي تم رصدها وفقًا للتحليل. هذا الدافع يعتمد على نشر معلومات مغلوطة أو مشوهة بهدف تقويض مصداقية الأفراد أو الجهات المستهدفة، مما يؤدي إلى تشويه سمعتهم وإضعاف تأثيرهم على الرأي العام، وتُستخدم هذه الاستراتيجية بشكل متكرر لتشويه سمعة الشخصيات العامة أو الجهات الفاعلة في الحروب والنزاعات، سواء من خلال الادعاءات الباطلة أو من خلال التلاعب بالحقائق.
على سبيل المثال، تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا مفاده أن المراسل الإسرائيلي “ألون مورج” كشف تفاصيل عملية تحرير أربعة أسرى إسرائيليين من قطاع غزة، بما في ذلك تفاصيل تتعلق بمكالمة بين شخص مجهول وأجهزة الأمن الإسرائيلية.
إلا أن التحقق من الادعاء، أكد بعد البحث في المصادر العبرية العلنية، بما فيها مواقع القناتين 12 و13 العبرية، أن هذه التفاصيل لم ترد في أي مصدر موثوق.
هذا المثال يبرز كيف يمكن استخدام المعلومات المغلوطة لتشويه سمعة جهات معينة، وإضعاف ثقة الجمهور بمصادر الأخبار الموثوقة، مما يسهم في نشر الفوضى والتضليل بشكل أكبر.
أثر التضليل في زعزعة الاستقرار وإثارة الذعر خلال حرب غزة وجنوبي لبنان
أظهرت التحليلات أن دافع خلق الذعر والخوف سجل نسبة 9 في المئة خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان، بينما جاء دافع خلق حالة من عدم الاستقرار بنسبة 5 في المئة، ورغم أن هذين الدافعين يظهران بنسب أقل مقارنة بالدوافع الأخرى، إلا أنهما يتشابهان في هدفهما المتمثل في زعزعة الاستقرار وإثارة القلق بين الجمهور خلال الحروب والأزمات.
يُستخدم دافع خلق الذعر لإحداث ردود فعل متسرعة وغير مدروسة، مما يؤدي إلى حالة من الهلع والفوضى. في المقابل، يركز دافع خلق عدم الاستقرار على تقويض الثقة بالمؤسسات وزرع الفوضى على المستويين الاجتماعي والسياسي. هذه الدوافع تُستخدم بفعالية لتعزيز تأثير التضليل وتحقيق الأهداف المرجوة خلال فترات الحروب، إذ يؤدي استغلال الخوف إلى ردود فعل غير عقلانية تفاقم الأزمات.
على سبيل المثال، نُشر في 27 يوليو/تموز الفائت، ادعاء يفيد بتوقف كامل لحركة الطيران فوق مناطق متعددة في الشرق الأوسط، بما في ذلك فلسطين، الأردن، سوريا، ولبنان، وتحويل حركة الملاحة الجوية. إلا أن التحقق من صحة الادعاء أكد استمرار حركة الطيران بشكل طبيعي، مما يوضح كيف يمكن لدافع خلق الذعر والخوف أن يؤدي إلى تضليل الجمهور ونشر الفوضى.
يوضح هذا المثال، إلى جانب أمثلة أخرى من الادعاءات التي تم تفنيدها، الأثر العميق لهذه الدوافع في تفاقم الأوضاع خلال الحروب، إذ يمكن لمثل هذه الادعاءات أن تزرع الشك في نفوس الأفراد، وتدفعهم إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة تزيد من الفوضى وتؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار والأمن.
ومن بين الدوافع التي تم رصدها في التحليل، يظهر دافع التشويش على العمليات العسكرية بنسبة 5 في المئة، ويهدف هذا الدافع إلى إرباك الجمهور والخصوم خلال النزاعات المسلحة، ويُعد جزءًا من استراتيجيات التضليل المستخدمة في الحروب لتقليل فاعلية العدو وإضعافه، إذ يتم تنفيذ التشويش على العمليات العسكرية من خلال نشر معلومات مضللة أو متناقضة، مما يخلق حالة من الفوضى والارتباك.
على صعيد آخر، يظهر دافع تجنيد الدعم بنسبة 2 في المئة، وهو يهدف إلى زيادة التأييد لقضية أو جهة معينة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، وتعزيز قاعدتها الجماهيرية، ويتم تحقيق ذلك عبر الترويج لمعلومات أو روايات مصممة خصيصًا لتحفيز الجمهور ودفعه لدعم تلك القضية.
بالإضافة إلى ذلك، يسجل دافع إثارة النعرات الطائفية أو القومية نسبة 2 في المئة أيضًا، ويستهدف إثارة الانقسامات داخل المجتمع بناءً على الانتماءات الطائفية أو القومية، كما يؤدي هذا الدافع إلى تفاقم الانقسامات وتعزيز التوترات الداخلية، مما يساهم في زعزعة الاستقرار الاجتماعي.
أما بالنسبة لدافع توجيه الإعلام، والذي بلغت نسبته 1 في المئة، فيشير إلى محاولات مباشرة لتوجيه وسائل الإعلام نحو سرديات معينة. وعلى الرغم من أن هذا الدافع ليس من الأساليب الشائعة، إلا أنه يمكن أن يكون فعالًا إذا تم تنفيذه بشكل صحيح، حيث تلعب وسائل الإعلام دورًا حاسمًا في تشكيل الرأي العام.
تشير هذه الإحصائيات إلى أن المضللين يعتمدون بشكل كبير على التلاعب بالعواطف وإخفاء الحقائق لتحقيق أهدافهم. يُعدّ التلاعب بالعواطف الأسلوب الأكثر فعالية نظرًا لقدرة المشاعر على التأثير العميق والسريع في سلوك الجمهور، بينما يشير إخفاء الحقائق إلى محاولة لإعادة تشكيل الواقع بما يتناسب مع أجندات معينة، مما يعزز من قدرة المضللين على توجيه الرواية العامة لصالحهم.
تحليل التصنيفات الرئيسية للادعاءات
أظهر التحليل المعمق للتقارير الصادرة عن المنصات الثلاث تركيزًا كبيرًا على المعلومات المتعلقة بالحرب في غزة وجنوبي لبنان، وخاصة تلك التي تتناول المعلومات المضللة والخاطئة حول العمليات العسكرية، والتشكيك في المعاناة الفلسطينية واللبنانية، بالإضافة إلى التجنيد والاستقطاب العاطفي.
وفقًا للرسم البياني، تم تصنيف الادعاءات التي تم تدقيقها وتصحيحها من قبل المنصات إلى 53.76 في المئة من المعلومات المضللة، و45.66 في المئة من المعلومات الخاطئة، في حين شكلت المعلومات الضارة نسبة 0.58 في المئة، فقط.
هذا التوزيع يشير إلى أن الجزء الأكبر من الادعاءات التي تم تحليلها خلال الفترة قيد الدراسة كانت مضللة، مما يبرز الحاجة الملحة للتركيز على كشف وتصحيح هذه الادعاءات لحماية الجمهور من التأثيرات السلبية للمعلومات المضللة. النسبة الكبيرة للمعلومات الخاطئة تُظهر أيضًا مدى انتشار المعلومات غير الدقيقة وتأثيرها السلبي على تصورات الجمهور وفهمهم للحقائق.
وتُعرّف المعلومات المضللة (Disinformation) بأنها محاولات متعمدة ومخطط لها مسبقًا بعناية تهدف إلى تضليل الجمهور بقصد إرباكهم أو التلاعب بهم من خلال تقديم معلومات كاذبة. يُستخدم هذا النوع من المعلومات غالبًا للتأثير على الرأي العام أو توجيه القرارات نحو اتجاهات محددة، وعادةً ما يُقترن ذلك باستراتيجيات اتصالات معقدة ومتقاطعة، بالإضافة إلى مجموعة من التكتيكات الأخرى مثل القرصنة أو تشويه سمعة الأفراد والإضرار بمصالحهم.
أما المعلومات الخاطئة (Misinformation) فتُعرّف بأنها المعلومات التي تُنشر دون وجود نوايا خبيثة أو تلاعبية، ودون قصد التضليل.
في المقابل، تُعرّف المعلومات الضارة (Mal-information)، بأنها معلومات صحيحة تُستخدم في سياق معين بهدف إلحاق الأذى أو التأثير السلبي على الجمهور، مما يجعلها ضارة رغم صحتها.
هيمنة المعلومات المضللة خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان
تعكس هذه الإحصائيات هيمنة المعلومات المضللة على المشهد الإعلامي، خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان، إذ تتميز المعلومات المضللة بتعقيد أكبر مقارنة بالمعلومات الخاطئة، لأنها تمزج بين الحقيقة والكذب وتُستخدم بنوايا خبيثة وبقصد التضليل.
وتشير النسبة الكبيرة من المعلومات المضللة إلى أهمية الدور الذي تلعبه منصات التحقق من المعلومات، حيث يسعى كل طرف إلى تقديم روايته الخاصة للأحداث. وبالتالي، تزداد الحاجة إلى توعية الجمهور بكيفية التعرف على هذه المعلومات والتحقق من صحتها قبل مشاركتها، ولتحقيق ذلك، تعتمد المنصات الثلاث منهجية عمل تهدف إلى تعزيز الوعي والتحصين ضد التضليل الإعلامي.
التصنيفات الفرعية للادعاءات
أما التصنيفات الفرعية للادعاءات التي تم تحليلها فقد جاءت على النحو التالي:
تُشير هذه الإحصاءات إلى أن التضليل الإعلامي في سياق النزاعات، مثل الحرب على غزة وجنوبي لبنان، يتخذ أشكالًا متعددة ومعقدة تهدف جميعها إلى تحريف الحقائق والتأثير على الرأي العام، ويبرز تحليل هذه الأرقام بعض النقاط الرئيسة التي تعكس مدى تعقيد وتنوع أساليب التضليل:
- نشر المعلومات القديمة باعتبارها حديثة (37.57%): النسبة العالية للمعلومات القديمة التي أُعيد نشرها وكأنها تتعلق بالأحداث الجارية تشير إلى استغلال الزخم الحالي للأحداث لتضليل الجمهور. هذه الممارسة تستغل ضعف الذاكرة الجمعية أو قلة الوعي بالتواريخ السابقة، مما يجعل الجمهور أكثر عرضة لتصديق هذه الادعاءات.
- الربط الخاطئ للصور والفيديوهات (24.86%): الربط الخاطئ للصور والفيديوهات مع الأحداث الجارية يمثل نسبة كبيرة أيضًا، وهو أحد الأساليب الشائعة للتضليل. هذه الممارسة تعزز الانطباعات الخاطئة لدى الجمهور وتؤدي إلى تكوين صور ذهنية غير صحيحة عن الواقع. يشير ذلك إلى أن التضليل البصري له تأثير قوي على إدراك الجمهور للأحداث، إذ إن الصور والفيديوهات يمكن أن تكون أكثر تأثيرًا من النصوص.
- المعلومات الملفقة بالكامل (14.45%): على الرغم من أن هذه النسبة ليست الأكبر، إلا أن وجود هذا النوع من التضليل يشير إلى محاولات متعمدة لاختلاق قصص أو وقائع من العدم. هذا النوع من التضليل يشكل خطرًا كبيرًا لأنه يبنى على الأكاذيب المطلقة ويعتمد على قدرته على خداع الجمهور بشكل كامل.
- المعلومات المقدمة في سياق مضلل (9.83%): يشير هذا إلى أن التلاعب في سياق عرض المعلومات يمكن أن يغير بشكل كبير من كيفية فهم الجمهور للحقائق. استخدام السياق المضلل يعد من أكثر الأساليب خفية وفعالية، حيث يعتمد على تقديم معلومات قد تكون صحيحة جزئيًا ولكن في إطار يقود إلى استنتاجات خاطئة.
- المعلومات المتلاعب بها (8.09%): التلاعب بالمعلومات، سواء كانت أرقامًا أو صورًا أو فيديوهات، يعكس محاولات متعمدة للتأثير على الرأي العام من خلال تشويه الحقائق. هذه النسبة تعكس مستوى معينًا من الإبداع في التضليل، حيث يتم تعديل البيانات لتبدو مقنعة بشكل أكبر.
كما تُشير هذه الإحصاءات إلى أن التضليل الإعلامي يعتمد على مزيج من الأساليب المتنوعة التي تهدف جميعها إلى زعزعة استقرار الحقائق وتشويه الواقع، ومن الواضح وفقًا للتحليل أن المعلومات القديمة والمربوطة خطأ بالأحداث الجارية تشكل أكبر تحدٍ، إذ تستغل اللحظة الراهنة لبث الشكوك والمعلومات المغلوطة. هذا يستدعي ضرورة تكثيف الجهود في التوعية وتطوير تقنيات أكثر فعالية لكشف هذا النوع من التضليل.
بالإضافة إلى ذلك، يبرز التحليل أن التضليل البصري (من خلال الصور والفيديوهات) هو أحد الأساليب الأكثر فعالية في خداع الجمهور، مما يستدعي ضرورة التركيز على تطوير أدوات للتحقق من المحتوى البصري بشكل خاص.
كما تؤكد النتائج على الدور الحيوي الذي تلعبه منصات تدقيق المعلومات مثل (تحقق، مسبار، وصواب)، في مكافحة التضليل الإعلامي، وكشف وإحباط المحاولات الرامية إلى تضليل الرأي العام، مما يساهم في حماية الجمهور من المعلومات المضللة ويعزز من صدقية وسائل الإعلام.
تحليل مصادر الادعاءات المضللة
يُظهر التحليل الشامل لمصادر الادعاءات المضللة التي تم رصدها خلال فترة التعاون بين منصات (تحقق، مسبار، وصواب)، أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت المصدر الأكثر انتشارًا لهذه الادعاءات، بنسبة ساحقة بلغت 84%، وهو ما يعكس التأثير الهائل الذي تمتلكه هذه المنصات في تشكيل الرأي العام ونشر التضليل على نطاق واسع، مما يستدعي التوقف عند بعض النقاط الهامة:
1. هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على نشر التضليل (85%)
تشير النسبة الكبيرة المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي إلى مدى انتشار التضليل عبر هذه المنصات. مع تطور التكنولوجيا الرقمية وانتشار الإنترنت، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فضاءً خصبًا لنشر الشائعات والمعلومات المضللة بسرعة فائقة. هذه المنصات التي تتميز بقدرتها على الوصول إلى جمهور واسع وتفاعل المستخدمين الفوري مع المحتوى، ما يجعل من الصعب تتبع وفحص الكم الهائل من المعلومات المتداولة. يمثل هذا الأمر تحديًا هائلًا لمدققي المعلومات، الذين يجدون أنفسهم أمام مهمة شاقة في محاولة لكشف الحقائق من بين الكم الهائل من المعلومات المغلوطة.
2. التضليل عبر المصادر الرسمية (8%)
على الرغم من أن النسبة المئوية للمصادر الرسمية أقل بكثير مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن وجود التضليل في هذه المصادر يثير القلق. عندما يصدر التضليل من جهات يُفترض بها المصداقية، يكون له تأثير أكبر على الجمهور، حيث يعتمد الكثيرون على المعلومات الواردة من هذه المصادر باعتبارها صحيحة. هذا النوع من التضليل يحمل خطرًا مضاعفًا، لأنه يستغل الثقة الممنوحة للمصادر الرسمية لتوجيه الرأي العام بشكل مضلل.
3. التضليل عبر المنصات والمواقع الإخبارية (5%)
رغم أن نسبة التضليل القادمة من المنصات والمواقع الإخبارية أقل نسبيًا، إلا أن تأثيرها قد يكون عميقًا نظرًا لمكانتها التقليدية كمصادر موثوقة للأخبار، وهو ما يُشير إلى تحديات جوهرية تواجه الصحافة والإعلام اليوم، فقد تقع بعض المواقع الإخبارية في فخ نشر معلومات مضللة، إما عن قصد أو نتيجة لضعف في عملية التحقق، إذ لا يؤثر هذا الأمر فقط على ثقة الجمهور في وسائل الإعلام، بل يضعف أيضًا دور الصحافة في تقديم الحقائق ومحاسبة السلطات.
4. دور السياسيين والحسابات الوهمية (1%)
بالرغم من أن نسبة الادعاءات التي جاءت من السياسيين والحسابات الوهمية، وفقًا للتحليل، منخفضة جدًا، إلا أنها تعكس محاولة لاستغلال النفوذ السياسي والشخصي في نشر التضليل.
الحسابات الوهمية، التي تُستخدم غالبًا لإخفاء الهوية ونشر الأكاذيب دون التعرض للمساءلة، تمثل جانبًا آخر من جوانب التضليل المعقدة في العصر الرقمي، وهو ما يُشكل تحديًا إضافيًا في كشف مصادر المعلومات وتحديد مدى مصداقيتها.
من الجدير بالذكر أن الإحصائيات تُشير بوضوح إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل المصدر الرئيسي للتضليل الإعلامي، ما يعكس التغير الكبير في كيفية استهلاك وتداول المعلومات في العصر الحديث. إن انتشار التضليل عبر هذه المنصات يتطلب استخدام تقنيات متقدمة ورصدًا مستمرًا لمواكبة سرعة انتشار المحتوى المضلل، وهو ما يستدعي تطوير أدوات جديدة واعتماد أساليب مبتكرة في تدقيق المعلومات.
أما فيما يتعلق بالمصادر الرسمية والمواقع الإخبارية، فإن النسب الأقل لا تعني تقليل الخطورة، فالتضليل الصادر من مصادر يُفترض بأنها ذات صدقية، يمثل تهديدًا أكبر لموثوقية المعلومات العامة، وهو ما يستدعي تعزيز مبادئ الصحافة المسؤولة وزيادة الوعي حول ضرورة التحقق من المعلومات، حتى عندما تأتي من مصادر رسمية.
ويبرز التحليل أيضًا، الحاجة الملحة لاستمرار وتطوير التعاون بين منصات تدقيق المعلومات لمواجهة هذا التحدي الكبير، فالتضليل الإعلامي متعدد الأوجه والمصادر يتطلب استجابة شاملة ومنسقة لضمان وصول الحقائق للجمهور وحمايتهم من التضليل.
كما تؤكد هذه النسب على الحاجة الملحة لتعزيز الوعي والتثقيف حول أساليب التضليل وكيفية مقاومتها، خاصة في بيئات النزاعات والحروب، حيث تكون المعلومات المضللة في أوجها، إذ يُعدّ تعزيز جهود تدقيق المعلومات وتقديم حقائق موضوعية للجمهور أمرًا حيويًا لمواجهة هذه التحديات وضمان وصول الحقائق غير المشوهة إلى الجمهور.
العلاقة بين دوافع التضليل وأنواع المعلومات المضللة والخاطئة
يكشف الرسم البياني العلاقة المعقدة بين دوافع التضليل وأنواع المعلومات المضللة والخاطئة، ما يؤكد أن التضليل الإعلامي ليس مجرد عملية بسيطة أو أحادية البعد، بل هو ظاهرة متعددة الأوجه تتميز بتنوع كبير في الأساليب والدوافع المستخدمة لتحقيق أهداف محددة، وتشمل هذه الأهداف زعزعة الاستقرار، تشويه السمعة، توجيه الإعلام، وإثارة النعرات الطائفية والقومية، وتعكس نتائج هذا التحليل الحاجة الماسة إلى تطوير آليات تدقيق المعلومات وزيادة الوعي بين الجمهور حول كيفية التعرف على المعلومات المضللة ومقاومتها.
تحليل الدوافع والنتائج الرئيسية
- إثارة النعرات الطائفية والقومية (100% معلومات مضللة)
يكشف التحليل أن جميع الحالات التي استهدفت إثارة النعرات الطائفية والقومية اعتمدت بشكل كامل على معلومات مضللة. هذا يوضح أن التضليل في هذا السياق يتم بشكل استراتيجي وممنهج، بهدف تمزيق النسيج الاجتماعي وزيادة التوترات الداخلية. يعد هذا النوع من التضليل خطرًا كبيرًا على وحدة المجتمع وتماسكه، إذ يسهم في تعميق الخلافات وتأجيج الصراعات. - توجيه وسائل الإعلام (100% معلومات مضللة)
تعتمد محاولات توجيه وسائل الإعلام بشكل كامل على نشر معلومات مضللة، مما يعكس وجود استراتيجيات متعمدة للتحكم في السرد الإعلامي وتوجيهه نحو أجندات معينة، وتشوه هذه الاستراتيجية الواقع أمام الجمهور وتعزز السرديات الكاذبة، ما يؤثر بشكل مباشر على فهم الجمهور للأحداث الجارية ويقلل من قدرة وسائل الإعلام على تقديم صورة دقيقة وموضوعية. - خلق حالة من عدم الاستقرار (88% معلومات مضللة)
يُظهر التحليل أن دافع خلق حالة من عدم الاستقرار يعتمد بشكل كبير على المعلومات المضللة. هذه الاستراتيجية تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات من خلال نشر الفوضى وعدم اليقين، ويُستخدم هذا النوع من التضليل بشكل خاص في سياقات الأزمات والنزاعات، إذ يسعى الفاعلون من خلاله إلى استغلال نقاط الضعف المجتمعية لإضعاف الثقة بالنظام القائم وتفكيك الروابط الاجتماعية. - تشويه السمعة (80% معلومات مضللة)
تُشير النتائج إلى أن تشويه السمعة يعتمد بشكل كبير على نشر معلومات مضللة، إذ يتم تقديم معلومات غير صحيحة أو محرفة لتقويض سمعة الأفراد أو الجماعات المستهدفة، ويُستخدم هذا الأسلوب على نطاق واسع في الصراعات الشخصية والسياسية، حيث يسعى المضللون إلى تغيير تصور الجمهور للأشخاص المستهدفين من خلال نشر الأكاذيب والشائعات التي تشوه صورتهم. - خلق الذعر والرعب (مزيج من المعلومات المضللة والخاطئة)
يُظهر التحليل أن دوافع خلق الذعر والرعب تعتمد على مزيج من المعلومات المضللة والخاطئة، خاصة في الأوقات الحرجة مثل الأزمات والحروب. تهدف هذه الاستراتيجية إلى إثارة الخوف والهلع بين الجمهور، مما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة، ويُستخدم هذا النوع من التضليل لزيادة حالة الهلع وإرباك المجتمع، مما يجعل الناس أكثر عرضة للتأثر بالمعلومات الكاذبة. - تجنيد الدعم (مزيج من المعلومات المضللة والخاطئة)
يكشف التحليل أن تجنيد الدعم لقضية معينة يعتمد أيضًا على مزيج من المعلومات المضللة والخاطئة. هذا النوع من التضليل يُستخدم للتلاعب بمشاعر الجمهور وتحفيزهم لدعم قضايا معينة دون الاعتماد على الحقائق، وغالبًا ما يتم ذلك من خلال التأثير على العواطف وتوجيهها لخدمة أهداف محددة، مما يؤدي إلى تعبئة الدعم الشعبي بطرق مضللة. - التأثير على الرأي العام (مزيج من المعلومات المضللة والخاطئة)
يعتمد دافع التأثير على الرأي العام على تقديم مزيج من المعلومات المضللة والخاطئة بهدف توجيه الرأي العام نحو توجهات معينة. هذه الاستراتيجية تُستخدم لتشكيل النقاش العام بشكل غير دقيق، مما يتيح للمضللين التحكم في السرديات العامة وإملاء أجنداتهم الخاصة.
أهمية تعزيز آليات تدقيق المعلومات لمواجهة التضليل الإعلامي
تؤكد هذه النتائج الحاجة الملحة لتعزيز آليات تدقيق المعلومات وتطوير تقنيات جديدة للكشف عن التضليل ومقاومته. فمن الضروري زيادة وعي الجمهور بكيفية التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، خاصة في ظل تزايد استخدام التضليل لتحقيق أهداف محددة في سياقات النزاعات والحروب. كما يُعدّ تعزيز جهود تدقيق المعلومات وتقديم حقائق موضوعية للجمهور أمرًا حيويًا لمواجهة هذه التحديات وضمان وصول الحقائق غير المشوهة إليهم.
دوافع المنصات الثلاثة لتدقيق الادعاءات
يُظهر الرسم البياني دوافع المنصات الثلاث (تحقق، مسبار، وصواب) لتدقيق الادعاءات خلال الفترة التي تم فيها تحليل مواد التدقيق، وتحديدًا أثناء الحرب على غزة وجنوبي لبنان، ويعكس التحليل مجموعة متنوعة من الدوافع التي تحكم عمليات التدقيق، مع التركيز الأكبر على تصحيح الأخطاء، الذي شكّل النسبة الأكبر بين الدوافع الأخرى.
تأتي أهمية تدقيق الادعاءات بدافع تصحيح الأخطاء خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان لضمان دقة المعلومات المقدمة، ومنع تضليل الجمهور، والحفاظ على صدقية وسائل الإعلام في سياق معقد وحساس، كما يعكس هذا التنوع في الدوافع مدى تعقيد عملية تدقيق المعلومات خلال الحروب، إذ تلعب دقة المعلومات دورًا حاسمًا في تشكيل الرأي العام وتعزيز الثقة بالمصادر الإعلامية.
تحليل دوافع التدقيق
- تصحيح الأخطاء (79.77%)
تُعد هذه النسبة الغالبة مؤشرًا على أن الجهود الأساسية للمنصات الثلاث كانت موجهة نحو تصحيح المعلومات المضللة والخاطئة، في سياق الحرب، إذ تتضاعف أهمية تصحيح الأخطاء لتجنب تضليل الجمهور وضمان تقديم معلومات صحيحة تسهم في تشكيل وعي عام مستنير. - حماية الجمهور (8.09%)
يعكس هذا الدافع أهمية حماية الجمهور من المعلومات المضللة التي قد تؤدي إلى فهم مغلوط للأحداث الجارية، إذ يصبح الجمهور في أوقات الحروب عرضة للمعلومات غير الدقيقة التي قد تؤثر على سلامتهم أو توجهاتهم، لذا، فإن حماية الجمهور من التضليل تشكل دورًا أساسًا في عمليات التدقيق، لضمان بقاء الوعي العام مستندًا إلى حقائق موثوقة. - تأثير الرأي العام (5.20%)
يعكس هذا الدافع أهمية عدم السماح للمعلومات المضللة بالتأثير السلبي على الرأي العام، إذ يمكن أن يلعب الرأي العام دورًا حاسمًا في دعم أو معارضة الأطراف خلال الحروب، ما يجعل دقة المعلومات المقدمة إليه أمرًا بالغ الأهمية. - حماية حقوق الإنسان (5.79%)
في سياق الحروب والنزاعات، تكون حقوق الإنسان عرضة للانتهاكات، وغالبًا ما تُستخدم المعلومات المضللة لتبرير هذه الانتهاكات أو التغطية عليها، و يوضح هذا الدافع أن المنصات الثلاثة تولي أهمية كبيرة لكشف الحقائق التي تحمي حقوق الإنسان من أي انتهاكات محتملة، ما يسهم في تقديم رواية دقيقة للوقائع. - التنافس الإعلامي (1.16%)
رغم أن نسبة التنافس الإعلامي هي الأقل، إذ تُمثل نسبة ضئيلة جدًا، إلا أن هذا التنافس يمثل تحديًا مستمرًا يواجه مدققي المعلومات. في ظل السباق الإعلامي لتحقيق السبق الصحفي، قد يتم التغاضي عن الدقة لصالح السرعة، مما يجعل دور التدقيق أكثر حيوية لضمان نشر معلومات صحيحة وموثوقة، ومع ذلك، يُظهر هذا المؤشر المهم أن التعاون بين المنصات قد يقلل من نسبة التنافس، ما يعزز من جودة ودقة المعلومات المنشورة.
تصحيح الأخطاء كأولوية في عمليات تدقيق المعلومات
تُظهر النتائج بوضوح أن تصحيح الأخطاء يُعد الدافع الرئيسي لعمليات تدقيق الادعاءات خلال الحروب، وهو أمر حيوي لضمان دقة المعلومات المقدمة للجمهور.
بالإضافة إلى ذلك، تبرز حماية الجمهور وحقوق الإنسان كأولويات قصوى، ما يعكس الالتزام القوي للمنصات الثلاثة بتقديم محتوى إعلامي مسؤول وموثوق، ولتعزيز هذه الجهود، من الضروري تكثيف التوعية بأهمية التحقق من المعلومات قبل نشرها أو تصديقها، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين مدققي المعلومات ومنصات التدقيق لضمان فعالية أكبر في مواجهة التضليل الإعلامي.
العلاقة بين دوافع التدقيق والتصنيف العام للادعاء
تؤكد نتائج تحليل المضمون أن منصات تدقيق المعلومات خلال فترة التعاون ركزت بشكل كبير على تصحيح الأخطاء وحماية الجمهور من التضليل، مع التركيز على تعزيز حقوق الإنسان وتوجيه الرأي العام نحو الحقيقة. وهذا يشير إلى أن هذه المنصات تلعب دورًا حيويًا في مكافحة المعلومات الخاطئة والمضللة، وتظهر أن التعاون بينها ليس مجرد تقاسم للمعلومات، بل هو التزام مشترك لحماية الجمهور وتعزيز القيم الإعلامية، وكانت النتائج على النحو التالي:
أولاً: تصحيح الأخطاء للمعلومات الخاطئة والمضللة: تظهر النتائج أن نسبة تصحيح الأخطاء للمعلومات الخاطئة والمضللة كانت عالية جدًا، حيث بلغت (96%) و(67%) على التوالي. هذه النسب تعكس مدى التزام هذه المنصات بدورها الأساس في تصحيح المعلومات والتحقق من صحتها، مما يعزز الثقة بين الجمهور ويقلل من انتشار الأخبار الكاذبة.
إن التركيز الكبير على تصحيح المعلومات الخاطئة، يشير إلى أن الهدف الأساسي لهذه المنصات هو توفير معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور.
ثانيًا: حماية الجمهور من المعلومات الضارة بنسبة (100%)، وهذه النسبة تعكس التزامًا مشتركًا بين المنصات للحفاظ على سلامة الجمهور المعلوماتية، وهو ما يؤكد أن المنصات لا تعمل فقط على تصحيح الأخطاء، بل تسعى أيضًا لمنع تأثير المعلومات الضارة على المجتمع، ما يعزز دورها كحارس للجمهور من التضليل والمعلومات الخاطئة التي قد تضر بالوعي العام وتؤدي إلى اتخاذ قرارات مبنية على معلومات غير صحيحة.
ثالثاً: تنوع دوافع التصدي للمعلومات المضللة بين حماية حقوق الإنسان، حماية الجمهور، والتأثير على الرأي العام بنسبة (11%) و(10%) على التوالي، يشير إلى أن المنصات ليست فقط مهتمة بتصحيح المعلومات ولكن أيضًا بتعزيز القيم الأساسية للمجتمع مثل حقوق الإنسان وتوجيه الرأي العام نحو الحقائق. وهذا التنوع في الدوافع يعكس فهمًا شاملًا للدور الذي تؤديه المنصات في مواجهة التضليل.
رابعاً: تراجع الدافع التنافسي بين المنصات إلى الحد الأدنى بنسبة (2%) يشير إلى أن التعاون بين المنصات لم يكن مدفوعًا بالتنافس، بل كان قائمًا على رؤية مشتركة لحماية الجمهور وتعزيز النزاهة الإعلامية، وهذا يعكس نضجًا في العمل الجماعي بين المنصات، حيث تم تجاوز الأهداف التنافسية لصالح المصلحة العامة والمشتركة.
التعاون بين منصات مسبار، تحقق، وصواب خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان
منصة مسبار هي منصة عربية متخصصة في فحص الحقائق، تأسست لمواجهة التضليل الإعلامي ونشر الوعي حول الأخبار الزائفة في العالم العربي. تركز المنصة على تدقيق الأخبار والمعلومات المنتشرة عبر الإنترنت، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، لضمان تقديم محتوى دقيق وموثوق للجمهور. بالإضافة إلى ذلك، توفر “مسبار” برامج تدريبية للراغبين في تطوير مهاراتهم في مجال التحقق من الأخبار.
ويُعد المرصد الفلسطيني تحقق مؤسسة فلسطينية تهدف إلى مكافحة المعلومات المضللة والخاطئة في الفضاء الإعلامي الفلسطيني. يسعى المرصد إلى تعزيز الوعي الإعلامي ونشر ثقافة التحقق من المعلومات، مع تزويد الجمهور بالأدوات اللازمة للتمييز بين الحقيقة والشائعة.
ومنصة صواب، هي منصة إعلامية لبنانية رائدة أسسها صحافيون ومدققو معلومات، بهدف التحقق من الأخبار الزائفة والحد من انتشارها. جاء تأسيس هذه المنصة في ظل الأزمات المتتالية التي يمر بها لبنان، حيث شهدت البلاد تزايدًا كبيرًا في انتشار المعلومات المضللة.
تلعب هذه المنصات دورًا حيويًا في حماية المجتمعات من التضليل المعلوماتي، وتعزيز الوعي بأهمية التحقق من المعلومات قبل نشرها أو مشاركتها. خلال الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوبي لبنان، تضافرت جهود المنصات الثلاث في تعاون استراتيجي للتصدي للمعلومات المضللة والخاطئة. تمثّل هذا التعاون في تنظيم حملة توعية للجمهور حول أساليب التضليل ونصائح لكشفها ومجابهتها.
كما عقدت المنصات الثلاث ورشتين تدريبيتين متزامنتين في رام الله وبيروت، استهدفتا مجموعة من الصحفيين وطلبة الإعلام المهتمين بمجال تدقيق المعلومات، وزودتهم المنصات بالمهارات اللازمة للتحقق من المعلومات خلال الحروب والنزاعات.
إضافةً إلى ذلك، عمل فريق التعاون على إنتاج تقارير تدقيق مشتركة تهدف إلى كشف المعلومات المضللة وتقديم الحقائق للجمهور، ويواصل الفريق التعاون في رصد الادعاءات وإنتاج التقارير.
وللوقوف على اتجاهات التضليل خلال فترة التعاون، قام الفريق بحصر وتحليل التقارير الصادرة عن المنصات الثلاث خلال شهرين من فترة التعاون، وتم تقديم نتائج هذا التحليل في الدراسة الحالية.
وتعكس الدراسة، الجهود التي بذلتها منصات التدقيق الإعلامي خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان، إذ قامت المنصات الثلاث بتحليل معمق للادعاءات التي تم تدقيقها خلال شهرين من الحرب، للكشف عن مدى تأثير التضليل على الرأي العام ومسار الأحداث، ومن خلال تحليل الاتجاهات السائدة في نشر المعلومات المضللة والخاطئة، تهدف الدراسة إلى إبراز الأدوار المتعددة التي تؤديها منصات التدقيق في تصحيح الأخطاء وحماية الجمهور من المعلومات المضللة، إذ تزداد أهمية دقة المعلومات بشكل كبير في أوقات الحروب.
النتائج:
- أهمية التصحيح المستمر للمعلومات المضللة والخاطئة: أظهرت النتائج الارتفاع الملحوظ في عمليات التدقيق التي تهدف إلى تصحيح المعلومات، ما يؤكد على الحاجة المستمرة للحفاظ على دقة المعلومات المقدمة للجمهور.
- دور وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للتضليل: أثبتت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل القناة الأكثر استخدامًا لنشر المعلومات المضللة خلال الحروب، ما يشير إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها منصات التدقيق في التعامل مع الكم الهائل من المحتوى المنتشر.
- تأثير دوافع التضليل المتنوعة: أظهرت الدراسة أن التضليل الإعلامي يعتمد على مجموعة متنوعة من الدوافع، بما في ذلك التلاعب بالعواطف، إخفاء الحقائق، وتشويه السمعة، حيث لكل دافع تأثير مختلف على الجمهور.
- التحديات التي تواجه الصحافة والمسؤولية الإعلامية: تبين من النتائج أن السرعة في نقل الأخبار أحيانًا تأتي على حساب الدقة، ما يبرز الحاجة إلى تطوير معايير صحفية تضمن التحقق المستمر من المعلومات قبل النشر، خاصةً في ظل التنافس الإعلامي.
- أهمية حماية حقوق الإنسان: أكدت الدراسة على أن التضليل قد يُستخدم لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان أو لإخفاء الحقائق المرتبطة بها، مما يجعل دور منصات التدقيق في حماية حقوق الإنسان بالغ الأهمية خلال النزاعات.
وعقب استعراض وتحليل الدوافع والأساليب المستخدمة في نشر المعلومات المضللة، وكذلك تقييم تأثير منصات التدقيق الإعلامي في التصدي لهذه الظاهرة، تبرز الحاجة إلى وضع استراتيجيات فعالة لمواجهة التحديات المستقبلية في مجال تدقيق المعلومات، ما يستدعي إلى استجابة منسقة ومتكاملة بين مختلف الأطراف المعنية، من منصات التدقيق إلى المؤسسات الإعلامية، بهدف تعزيز موثوقية المعلومات وحماية الجمهور من التضليل، خاصةً في سياقات النزاعات والحروب، إذ يُستخدم التضليل بشكل استراتيجي لزعزعة الاستقرار وتعميق الانقسامات.
التوصيات:
- تعزيز التعاون الدولي والإقليمي بين منصات التدقيق: يجب أن يستمر التعاون بين منصات التدقيق على المستويين الدولي والإقليمي لمكافحة التضليل الإعلامي بكفاءة أعلى، مع توسيع النطاق الجغرافي للتعاون، وشموله فترات ما بعد الحروب لضمان استمرارية الجهود.
- تطوير تقنيات متقدمة لرصد وكشف التضليل: هناك حاجة لتطوير أدوات تقنية حديثة تمكن من الكشف السريع والدقيق عن المعلومات المضللة، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، لتعزيز القدرة على التصدي لها قبل أن تؤثر سلبًا على الرأي العام.
- تنظيم حملات توعية مكثفة: يجب إطلاق حملات توعية مستمرة تستهدف الجمهور العام، توضح أهمية التحقق من المعلومات قبل نشرها أو تصديقها، مع تركيز خاص على فترة النزاعات حيث تزداد أهمية دقة المعلومات.
- تعزيز مبادئ الصحافة المسؤولة: ينبغي تعزيز المعايير الصحفية التي تركز على الدقة والموثوقية، حتى في أوقات التنافس الإعلامي الشديد، لضمان نشر معلومات دقيقة وموثوقة.
- تطوير برامج تدريبية مستمرة للصحفيين: يُوصى بتقديم برامج تدريبية مستمرة للصحفيين وطلبة الإعلام حول كيفية التحقق من المعلومات، مع التركيز على مواجهة تحديات التضليل خلال النزاعات والحروب.
- إيلاء أهمية خاصة لحماية حقوق الإنسان: يجب أن تركز جهود التدقيق على كشف أي محاولات للتضليل تهدف إلى تبرير انتهاكات حقوق الإنسان أو إخفائها، والعمل على تقديم معلومات دقيقة حول هذه القضايا لضمان حماية حقوق الأفراد.
في ظل التحديات المستمرة والمتزايدة التي يفرضها انتشار التضليل، تؤكد هذه الدراسة على الدور الحاسم الذي تلعبه منصات تدقيق المعلومات في حماية المجتمعات من التأثيرات السلبية للمعلومات المضللة. يظهر بوضوح أن التضليل الإعلامي ليس مجرد أداة لخلق الفوضى، بل هو وسيلة فعالة لتوجيه الرأي العام وتغيير مسارات الأحداث بطرق غير مشروعة.
إذ أثبت التعاون بين منصات (مسبار، تحقق، وصواب) خلال الحرب على غزة وجنوب لبنان، فعاليته وضرورته في مواجهة هذه التحديات، ما يشير إلى أهمية بناء تحالفات استراتيجية دائمة بين منصات التدقيق المختلفة على المستويين المحلي والدولي.
خاتمة عامة
في ضوء التحليل العميق لدور منصات التدقيق (مسبار، وتحقق، وصواب) في مواجهة التضليل الإعلامي خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان، تُبرز هذه الدراسة أهمية التعاون بين منصات التدقيق الإعلامي في تعزيز الوعي ومواجهة المعلومات المضللة. إن الشراكة بين هذه المنصات لم تكن مجرد تبادل للمعلومات، بل أظهرت أهمية الجهد الجماعي في تقديم حقائق دقيقة وحماية الجمهور من التأثيرات السلبية للمعلومات غير الصحيحة.
تؤكد الدراسة أن التضليل الإعلامي، خاصة في أوقات النزاعات، ليس مجرد أداة لنشر الفوضى، بل هو استراتيجية موجهة تهدف إلى تشكيل الرأي العام وتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية. لذلك، يُعد تطوير تقنيات جديدة لرصد وكشف المعلومات المضللة، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أمرًا ضروريًا لتعزيز قدرة منصات التدقيق على مواجهة هذا التحدي.
كما تُبرز الدراسة الحاجة إلى مواصلة تطوير التعاون بين منصات التدقيق، ليس فقط في أوقات الأزمات، ولكن أيضًا في الفترات اللاحقة، لضمان استمرارية الجهود وللحد من تأثير المعلومات المضللة على المجتمعات. إن بناء استراتيجيات أكثر كفاءة لمواجهة التضليل يعد من أولويات هذه المنصات لضمان تقديم إعلام مسؤول وموثوق.
في الختام، تُعد هذه الدراسة خطوة مهمة نحو تعزيز الوعي بمخاطر التضليل الإعلامي وأهمية تدقيق المعلومات، ما يدعو إلى تعزيز الجهود المشتركة بين مختلف الأطراف المعنية لضمان حماية الجمهور من التضليل، وتقديم رواية حقيقية للأحداث بعيدًا عن التلاعب والتحريف.