التقارير الشهريةتحققتقارير ومتابعات

 ما وراء التدقيق.. رصد وتحليل المعلومات المضللة والخاطئة خلال سبتمبر/أيلول 2024 

في ظل تصاعد الحروب والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط، تتزايد أهمية التصدي للتضليل الإعلامي والمعلومات المضللة، التي تؤثر بشكل كبير على وعي الجمهور وتوجيهه. وأسوة بمنصات تدقيق المعلومات في المنطقة العربية يعمل المرصد الفلسطيني “تحقق” بشكل متواصل على مكافحة هذه الظاهرة من خلال رصد وتحليل المعلومات والادعاءات المنتشرة في البيئة الرقمية، حيث أعد فريقه خلال شهر سبتمبر/أيلول 2024، 43 مادة وتقاريراً تناولت بشكل رئيسي الحرب في غزة وجنوب لبنان.

يأتي هذا التقرير استكمالًا لجهود المرصد التي بدأت في شهر أغسطس/آب، بدعم من الشبكة الدولية لتدقيق المعلومات، بهدف تقديم تحليل شامل لحملات التضليل المنتشرة، والجهات التي تقف خلفها، ودوافعها. إلى جانب تسليط الضوء على التصنيفات المختلفة للمعلومات الخاطئة والمضللة التي تنتشر خلال الأزمات، وكشف أساليب التضليل المستخدمة لتشويه الحقائق.

المحور الأول: التصنيفات العامة للمعلومات الخاطئة والمضللة 

أظهر التحليل الإحصائي المعمق للتقارير ومواد التدقيق الصادرة عن المرصد أن الادعاءات التي تم رصدها وتصحيحها تركزت بشكل خاص على الحرب في غزة وجنوب لبنان. وقد تصدرت الادعاءات وفقًا للتصنيفات الرئيسية التي يعتمدها المرصد، استنادًا إلى المنهجيات والمعايير العالمية، تصنيفين رئيسيين (الشكل رقم 1)، كما يلي:

  • المعلومات الخاطئة (Misinformation): شكلت هذه المعلومات النسبة الأكبر من الادعاءات، حيث سجلت( 64.10%) منها، وتُعرّف المعلومات الخاطئة بأنها تلك التي تُنشر دون وجود نوايا خبيثة أو تلاعبية، وبدون قصد التضليل، لكنها تؤثر سلبًا وتخلق فوضى معلوماتية.
  • المعلومات المضللة (Disinformation): جاءت في المرتبة الثانية بنسبة (35.90%) من الادعاءات التي تم تصحيحها، وتُعرّف بأنها محاولات متعمدة ومخطط لها تهدف إلى تضليل الجمهور وإرباكهم عبر تقديم معلومات كاذبة. يُستخدم هذا النوع من المعلومات غالبًا للتأثير على الرأي العام أو توجيه القرارات في اتجاهات محددة، وغالبًا ما يرتبط باستراتيجيات اتصالات معقدة، بالإضافة إلى مجموعة من التكتيكات الأخرى مثل القرصنة أو تشويه سمعة الأفراد والإضرار بمصالحهم.

أما المعلومات الضارة (Mal-information): فلم تُرصد خلال فترة التحليل لشهر سبتمبر/أيلول، حيث شكلت نسبة(0.0%)، وتُعرّف بأنها معلومات صحيحة تُستخدم في سياق معين بهدف إلحاق الأذى أو التأثير السلبي على الجمهور، مما يجعلها ضارة رغم صحتها.

في سياق التصنيفات الرئيسية للادعاءات، وُجدت فروقات بسيطة في النسب بين شهري أغسطس وسبتمبر، حيث سجلت المعلومات الخاطئة في أغسطس نسبة(63%)، بينما بلغت نسبة المعلومات المضللة (33%)، ونسبة المعلومات الضارة(4%). هذا يشير إلى أن المعلومات الخاطئة ظلت تسجل النسبة الأكبر، تليها المعلومات المضللة، خلال شهر أيلول.

المحور الثاني: تحليل مصادر الادعاءات

تتنوع مصادر الادعاءات في نشر المعلومات، وتلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الروايات العامة. وتشمل هذه المصادر وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتلفزيون، التي تسعى عادةً إلى تقديم محتوى موثوق، لكن قد تتعرض أحيانًا لضغوطات سياسية أو تجارية تؤثر على نزاهتها. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر منصات التواصل الاجتماعي من أبرز المصادر الحديثة للادعاءات، حيث هيمنت بشكل واسع على نشر التضليل من قبل الأفراد والمجموعات، مما يسهم في انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة بسرعة وسهولة. تشمل المصادر أيضًا المواقع الإلكترونية غير الموثوقة والمدونات التي قد تروج لمعلومات غير دقيقة. وتؤدي هذه المصادر المتعددة دورًا معقدًا في تشكيل فهم الجمهور للأحداث، مما يستدعي أهمية التحقق من المعلومات وتقييم مصادرها لضمان دقة المعلومات المتداولة.

منصات التواصل الاجتماعي المساحة الأكبر لنشر التضليل 

تُعد منصات التواصل الاجتماعي الغالبية العظمى من مصادر نشر التضليل أثناء الحروب والنزاعات، حيث تُستخدم بشكل مكثف لتوزيع المعلومات بسرعة وسهولة. وفي ظل الأزمات، تتزايد معدلات المشاركة والنقاشات حول الأحداث، مما يتيح للأفراد والجماعات نشر ادعاءات غير موثوقة دون التحقق من صحتها. تساهم هذه المنصات في انتشار الشائعات والأخبار المضللة، مما يُعقد فهم الجمهور للواقع ويؤثر على تشكيل الرأي العام. كما تلعب الجهات الفاعلة، بما في ذلك الحكومات والجماعات السياسية، دورًا في استغلال هذه المنصات لنشر روايات محددة تهدف إلى التأثير على مشاعر الناس أو إرباكهم. نتيجة لذلك، تصبح منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة للتضليل، مما يزيد من فوضى المعلومات.

يمكن تقسيم مصادر الادعاءات في منصات التواصل الاجتماعي وفقًا للتالي:

  • صفحات اجتماعية ومستخدمون عبر منصات التواصل الاجتماعي 

خلال الحرب في غزة وجنوب لبنان، أظهرت البيانات (الشكل رقم 2) أن الصفحات الاجتماعية والأفراد هيمنوا بشكل ملحوظ على مصادر الادعاءات، حيث سجلت هذه الفئة نسبة مرتفعة بلغت (89.74%) .

تعكس هذه النسبة الدور البارز الذي تلعبه منصات التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات خلال الأزمات، حيث يتمكن الأفراد والجماعات من مشاركة محتوى متنوع بين مضلل وخاطئ، وتساهم هذه الهيمنة في تشكيل الروايات العامة، مما يزيد من خطر التأثير على الرأي العام، وتشكيل السرديات ةفقاُ للتوجهات السياسية خاصة في ظل الأجواء المتوترة والصراعات. ونتيجة لذلك، تصبح هذه المنصات قناة رئيسية للتأثير على الرأي العام.

  • منصات إخبارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي 

أظهرت البيانات أن المنصات الإخبارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمثل مصدرًا مهمًا للإدلاء بالادعاءات، حيث سجلت نسبة (7.69%). وعلى الرغم من أن هذه النسبة تبدو منخفضة مقارنةً بالهيمنة الكبيرة للصفحات الاجتماعية والأفراد، إلا أن دور المنصات الإخبارية يبقى حاسمًا في تشكيل الرأي العام وتوجيه النقاشات حول الأحداث.

وتسعى هذه المنصات إلى تقديم معلومات دقيقة وموثوقة، لكنها قد تتعرض لضغوطات أو تأثيرات سياسية قد تؤثر على محتواها. وفي ظل الأحداث الساخنة، تساهم هذه المنصات في نشر الأخبار والتحديثات، مما يجعلها مصدرًا رئيسيًا للمعلومات، لكن من الضروري أيضًا مراقبة مدى دقتها ونزاهتها لضمان عدم تسرب التضليل من خلالها.

  • حسابات إسرائيلية وغربية داعمة لإسرائيل 

تشير البيانات إلى أن الحسابات الإسرائيلية والغربية الداعمة لإسرائيل تمثل مصدرًا للإدلاء بالادعاءات، حيث سجلت نسبة(2.56%)، وهذه منخفضة مقارنةً بمصادر أخرى، لكنه تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الرواية الإسرائيلية وتقديم الدعم السياسي والإعلامي لها. وتُستخدم هذه الحسابات لنشر محتوى يهدف إلى تشكيل الرأي العام وإظهار وجهة النظر الإسرائيلية تجاه الأحداث الجارية، مما يمكن أن يؤثر على التصورات العالمية حول النزاع.

برز دور الحسابات الإسرائيلية والداعمة بشكل واضح في إطار التشكيك في معاناة الفلسطينيين، خاصة من خلال حملتي “باليوود” و”غزة وود”، وتهدف هذه الحملات إلى تقديم روايات مضللة تتجاهل أو تقلل من حجم المعاناة التي يواجهها الفلسطينيون في ظل النزاعات. وتستخدم هذه الحسابات استراتيجيات إعلامية مدروسة لتصوير الوضع بطريقة تعزز الرواية الإسرائيلية، مما يساهم في تبرير الأعمال العسكرية ويعزز التأييد الدولي للسياسات الإسرائيلية.

في سياق آخر، ظهرت المواقع الرسمية الإسرائيلية بشكل متكرر في إطار التنصل من المسؤولية، حيث تسعى هذه المواقع إلى تقليل تأثير الأضرار الناجمة عن العمليات العسكرية وتركز على عرض الروايات التي تعفيها من أي مسؤولية تجاه ما يحدث. تُستخدم هذه الاستراتيجيات كوسيلة للدفاع عن السياسات الإسرائيلية، مما يزيد من تعقيد المشهد الإعلامي ويعزز الفوضى المعلوماتية المحيطة بالنزاع.

وتستهدف الحسابات الإسرائيلية بشكل متعمد جهات فلسطينية، بما في ذلك الأفراد والمؤسسات، حيث توجه لهم تهمًا لا أساس لها من الصحة، بهدف تشويه السمعة وإثارة النزاعات، مما يسهم في خلق بيئة من عدم الثقة والتوتر. كما تسعى هذه الحسابات من خلال نشر معلومات مضللة، إلى تحفيز ردود فعل سلبية تجاه الفلسطينيين، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات، ويزيد من تعقيد الصراع.

فعلى سبيل المثال، قامت مجموعات إسرائيلية بنشر صور ومقاطع فيديو لشاب يدعى أسيد الشلبي عبر موقع التواصل الاجتماعي “تيليجرام”، حيث ظهر في أحد المشاهد مرتديًا زي الإسعاف، بينما يظهر في مشهد آخر وهو يحمل سلاحًا. ادعى متداولو هذه المحتويات أنه ينتمي لكتيبة جنين وأنه تطوع في صفوف الهلال الأحمر الفلسطيني بهدف خداع جيش الاحتلال الإسرائيلي والنجاة من عملية ملاحقته. لكن، أظهر تدقيق “تحقق” أن الشلبي هو ضابط في الأمن الوقائي الفلسطيني، ومتطوع في الهلال الأحمر منذ عام ونصف. وقد تم تداول صوره ومقاطع الفيديو الخاصة به في سياق مضلل يهدف إلى تشويه سمعته. بدورها، نفت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني هذه الادعاءات وأكدت على دوره التطوعي، مما يعكس حجم التضليل الذي قد تتعرض له المعلومات في سياقات النزاع.تُظهر المؤشرات مقارنةً بين شهري أغسطس/آب وسبتمبر تراجعًا ملحوظًا في دور المنصات الإخبارية في نشر المعلومات الخاطئة والمضللة، حيث انخفضت نسبتها من (13.4%) في أغسطس/آب إلى مستويات أقل في سبتمبر/أيلول.

وفقًا لما رصده فريق “تحقق” خلال الفترة الماضية من حسابات إسرائيلية وداعمة، تبيّن تراجع بنسبة تقارب (6%) في الادعاءات التي تم رصدها. ويُعزى هذا التراجع إلى تدفق المحتوى المُضلل على الصفحات والحسابات الاجتماعية الأخرى، مما جعل التركيز ينصب عليها عقب تسارع الأحداث.

بالمقابل، استمرت الصفحات الاجتماعية والأفراد في تسجيل النسبة الأكبر في نشر المعلومات المضللة، حيث ارتفعت هذه النسبة بشكل ملحوظ من(69.6%) في أغسطس/آب إلى ما يقارب (20%) إضافية في سبتمبر/أيلول لتصبح النسبة العظمى لها 89.74%. ويعكس هذا الاتجاه استمرار قوة تأثير هذه المنصات في تشكيل الروايات وزيادة انتشار المعلومات غير الدقيقة.

المحور الثالث: تحليل دوافع التضليل 

يتيح تحليل دوافع التضليل فهمًا عميقًا للسياقات الاجتماعية والسياسية التي تحيط بالنزاعات والأزمات، حيث غالبًا ما يُستخدم التضليل كأداة لتحقيق أهداف معينة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، وعسكرية، ونفسية.

من بين الدوافع الرئيسية هو السعي إلى تحقيق التفوق في المعارك الإعلامية، حيث تسعى الأطراف المتنازعة إلى تشكيل الروايات بما يتناسب مع مصالحها، وتشمل الدوافع أيضًا تعزيز الأيديولوجيات أو السياسات من خلال نشر معلومات مضللة تُظهر الجانب الآخر بصورة سلبية، مما يزيد من التوترات ويعزز الانقسام.

في بعض الحالات، يُستخدم التضليل لتوجيه الرأي العام وتغيير وجهات نظر الجمهور حول أحداث معينة، مما يسهل على الجهات الفاعلة تحقيق أهدافها. كما يمكن أن تكون الدوافع اقتصادية، حيث تسعى بعض الكيانات إلى تحقيق مكاسب مالية من خلال خلق ضجة إعلامية حول موضوعات معينة.

وفقًا لتحليل مواد التدقيق خلال شهر سبتمبر/أيلول، برزت ثمانية دوافع رئيسية وراء انتشار التضليل (الشكل رقم 3)، وهي على النحو التالي:

خلق الخوف والذعر وزعزعة الاستقرار .. الدافعان الأبرز 

تُظهر التحليلات المتعلقة بحرب غزة وجنوبي لبنان أن دوافع التضليل المرتبطة بخلق الخوف والذعر وزعزعة الاستقرار تشكل تهديدًا كبيرًا للأمن والاستقرار في المنطقة، حيث بلغت نسبة الادعاءات التي حملت هذا الدافع (30.77%)، مما يشير إلى أن المعلومات المضللة تُستخدم بشكل منهجي لإثارة مشاعر القلق والذعر بين السكان، بما يؤدي إلى توتر اجتماعي ويُعطل الحياة اليومية.

في المقابل، سجلت دوافع زعزعة الاستقرار نسبة (17.95%)، مما يسلط الضوء على كيفية استخدام التضليل والمعلومات الخاطئة  لتقويض الثقة في المؤسسات الحكومية والمجتمعية، فعندما تنتشر معلومات مضللة تهدف إلى تفكيك الروابط الاجتماعية وزعزعة الاستقرار السياسي، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفشي الفوضى.

تُعتبر مخاطر دوافع التضليل المرتبطة بخلق الخوف وزعزعة الاستقرار، من أبرز التحديات خلال الأزمات، كما يتضح من بعض الأمثلة التي حللها “تحقق”، ومنها ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو للمتحدث العسكري باسم جماعة “أنصار الله الحوثيين” يحيى سريع، مدعيين أنه بيان متلفز يتحدث عن استعدادات الجماعة لعملية برية كبرى خلال الحرب الإسرائيلية الجارية في قطاع غزة.

لكن تدقيق “تحقق” كشف أن المقطع المتداول قديم، حيث تم نشره في 17 يونيو/حزيران عام 2023، وهو يتعلق بإعلان يحيى سريع عن رفع جاهزية الجماعة استعدادًا لشن عمليات عسكرية واسعة ضد “قوات التحالف” بقيادة السعودية، وذلك بعد انتهاء الهدنة المتفق عليها في اليمن. هذا النوع من التضليل لا يؤدي فقط إلى خلق حالة من الخوف والقلق بين الجمهور، بل يساهم أيضًا في زعزعة الاستقرار في المنطقة، حيث يُشعر الناس بأن الوضع الأمني متوتر وغير مستقر. وتكشف هذه الحوادث عن الحاجة الملحة للتحقق من المعلومات ومكافحة التضليل، لضمان حماية المجتمعات من تأثيرات الخوف والفوضى.

التلاعب بالعواطف.. التأثير المباشر على الجمهور

وفق التحليل، يُعد التلاعب بالعواطف دافعًا أساسيًا وراء نشر الصور والفيديوهات غير الصحيحة بنسبة  (25.64%)، حيث يتم استغلالها بشكل منهجي لاستثارة مشاعر قوية لدى الجمهور. خلال النزاعات، تنتشر صور ومقاطع فيديو غير دقيقة أو قديمة تظهر معاناة إنسانية أو دمار، بهدف إحداث تأثير نفسي عميق، مثل تحفيز الخوف أو الغضب، وهذا النوع من المحتوى يُستخدم لتوجيه الرأي العام نحو مواقف معينة، وإثارة التعاطف أو الغضب تجاه طرف دون الآخر، مما يعزز الاستقطاب والصراع. مما يُضعف قدرة الجمهور على التفكير النقدي ويجعلهم أكثر عرضة لتبني السرديات المضللة، ويستخدم هذا التكتيك -أيضاً- في تضخيم قصص المعاناة، أو التلاعب بصور الأطفال المتضررين لإثارة مشاعر الغضب والتعاطف.

وعلى سبيل المثال، جرى تداول صور ومقاطع فيديو كثيرة لضحايا على أنهم أصيبوا خلال الحرب على غزة، لكن تبين أن بعضها يعود لحروبٍ سابقة وفي بلدان مختلفة، ومنها ما قامت بنشره حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي من صورة زُعم أنها تعود للأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، مدعين أنها التُقطت في عام 1980 بعد الغزو الإسرائيلي للبنان.

لكن بعد تدقيق أجراه فريق “تحقق“، تبيّن أن الصورة لا تعود لحسن نصر الله، بل لأحد عناصر الحزب وشبيهه، علي محمد سلمان (أبو عباس)، وذلك وفقًا لتقارير إعلامية لبنانية، وبناءً على مطابقة دقيقة للصور. هذا المثال يبرز مرة أخرى كيف يُستغل التشابه في الصور لخلق سرديات خاطئة وتحريك العواطف لتحقيق أهداف سياسية أو دعائية، مما يعزز من أهمية التحقق من المعلومات قبل تداولها، خاصة في أوقات النزاعات.

تشويه السُمعة.. أداة فتّاكة في التضليل

أظهر التحليل، أن دافع  تشويه السمعة شكل نسبة (10.26%) ويعد أحد الدوافع الرئيسية وراء نشر المعلومات الخاطئة والمضللة، حيث تستهدف هذه الممارسات الأفراد أو المؤسسات بهدف تقويض مصداقيتهم وإلحاق الضرر بسمعتهم. وخلال الأزمات والحروب، يتم استغلال التضليل بشكل خاص لتشويه صورة الشخصيات العامة أو الجهات الفاعلة في الصراع من خلال نشر معلومات كاذبة أو مشوهة عنهم. هذا النوع من التضليل غالبًا ما يكون مدروسًا بعناية ويُصمم لإحداث تأثير سلبي على الرأي العام، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في هذه الشخصيات أو المؤسسات، ويُعرّضهم للتشهير والهجمات المتكررة. وهو لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يشمل أيضًا الدول والمنظمات، حيث يُستخدم بشكل استراتيجي لإضعاف موقفهم أو تقويض نفوذهم على الساحة الدولية.

على سبيل المثال، نشرت حسابات عبر موقع التواصل الاجتماعي “إكس” مقطع فيديو زعمتْ أنه يوثق احتفالات في ملهى ليلي بالضفة الغربية، وذلك بعد العملية التي نفذها الأردني ماهر الجازي في معبر الكرامة.

أوضح تدقيق “تحقق” أن الادعاء غير صحيح، أن الفيديو تم تصويره داخل مقهى في لندن، ونُشر للمرة الأولى على حساب “Maramia Cafe London” في إنستغرام بتاريخ 3 سبتمبر/أيلول 2024، ولا علاقة له بالضفة الغربية. هذا المثال يعكس كيف تُستخدم المعلومات المضللة لتشويه سمعة جماعات أو مجتمعات بأكملها، مما يؤدي إلى تشويه الواقع ويزيد من حدة التوترات والنزاعات.

إثارة النعرات الطائفية والقومية.. تكتيك استراتيجي لتأجيج الصراع

وفقاً للتحليل، شكل دافع إثارة النعرات الطائفية والقومية بنسبة (5.13%)،  وتُعتبر هذه النسبة قليلة مقارنةً بالدوافع السابقة، لكنها من الدوافع الخطيرة في نشر المعلومات الخاطئة والمضللة، ويهدف هذا النوع من التضليل إلى تقسيم المجتمعات وتحريض مكوناتها ضد بعضها البعض، سواء على أساس ديني، طائفي، أو قومي. ويتم استغلال الاختلافات العرقية والدينية والقومية لإشعال الفتن وخلق التوتر بين الجماعات، مما يعزز الانقسامات الداخلية ويُضعف من قدرة المجتمعات على التوحد في مواجهة التحديات المشتركة.

ومن الأمثلة التي تعرض لها مرصد “تحقق” مقطع فيديو ادعى متداولوه أنه لطرد عناصر من حزب الله اللبناني أثناء محاولتهم الدخول  إلى مناطق للطائفة الدرزية خلال الحرب الجارية في لبنان، وعلّق آخرون على الفيديو بالقول: “عناصر ⁧‫حزب الله‬⁩ الذين طردوا السوريين من اللاجئين يطردهم ⁧‫الدروز‬⁩ السوريون الآن وقد جاؤا هاربين”.

بعد التدقيق، والتحري الذي أجراه “تحقق” تبين  أم المقطع المتداول قديم، ووثق لحظة اعتراض أهالي بلدة شويا ذات الأغلبية الدرزية، شاحنة تحمل منصة لإطلاق الصواريخ تابعة لحزب الله اللبناني، أثناء مرورها ببلدتهم عقب تنفيذها هجومًا ضد أهداف إسرائيلية، بتاريخ 6 أغسطس/ آب 2021، فيما أوضح الحزب حينها أن الهجوم نُفذ “من مناطق حرجية بعيدة تمامًا عن المناطق السكنية حفاظًا على أمن المواطنين”.

كما أظهر التحليل أن هناك ثلاثة دوافع أخرى للتضليل، وهي دافع التشويش على العمليات العسكرية بنسبة (5.13%)، ويُستخدم هذا النوع من التضليل لتعطيل أو إرباك الاستراتيجيات العسكرية، مما يؤثر على قرارات الأطراف المشاركة في النزاع ويعقد تنفيذ الخطط العسكرية. إلى جانب ذلك، تم تسجيل دافعي التأثير على الرأي العام و إضعاف المعنويات بنسبة (2.56%)، ويهدف الأول إلى توجيه الجمهور نحو وجهات نظر معينة أو تغيير مواقفه تجاه الصراع، وهذا النوع من التضليل يسعى للتلاعب بالعواطف والمعتقدات، خاصة في ظل حالة الاستقطاب أثناء النزاعات.

أما الثاني يستهدف تقليل الروح المعنوية لدى الأطراف المشاركة في النزاع أو الجمهور العام، مما يؤدي إلى فقدان الثقة والتشجيع على الاستسلام أو الانسحاب. هذه الدوافع تُبرز كيف يُستخدم التضليل كأداة مؤثرة لتغيير مسار الأحداث على المستويات العسكرية والنفسية والاجتماعية، مما يعزز الحاجة إلى الوعي واليقظة لمواجهتها.

بمقارنة نسب التحليل  للدوافع بين شهري أغسطس وأيلول، يظهر بوضوح ازدياد وانخفاض في بعض الدوافع، مما يعكس التغير في طبيعة المواد التي تم التعامل معها خلال الشهرين الماضيين. على سبيل المثال، شهد دافع التلاعب بالعواطف ازديادًا ملحوظاً في سبتمبر مقارنة بأغسطس، مما يشير إلى تصاعد الاهتمام بالتضليل الذي يهدف إلى توجيه المشاعر الإنسانية.

هذه التغيرات في النسب تعطي مؤشرًا على التحول في استراتيجيات التضليل التي تتبعها الجهات الناشرة، استنادًا إلى تطور الأوضاع الميدانية والسياسية، مما يستدعي مواصلة التحليل والرقابة الدقيقة لفهم وتحليل هذه التحولات.

المحور الرابع: توزيع الادعاءات المضللة والمعلومات الخاطئة حسب مصادر الادعاءات 

يشير الرسم البياني المرفق (الشكل رقم 4) إلى توزيع الادعاءات المضللة والمعلومات الخاطئة عبر ثلاثة مصادر رئيسية خلال فترة محددة، ويتضمن التحليل النسب المئوية للادعاءات التي تم رصدها في الفئات التالية:

  1. حسابات غربية وعربية داعمة لإسرائيل:

سجلت الحسابات الغربية والعربية الداعمة لإسرائيل نسبة (2.56%) من الادعاءات المضللة، ولم تُسجل أي نسبة من المعلومات الخاطئة وفقًا للرسم البياني.

  1. صفحات اجتماعية ومستخدمون عبر منصات التواصل الاجتماعي:

هيمن هذا المصدر على النسب بشكل واضح، حيث شكلت الادعاءات المضللة نسبة (33.33%)، بينما بلغت نسبة المعلومات الخاطئة (56.41%)، وهذا يعكس دورًا كبيرًا لمنصات التواصل الاجتماعي في نشر كل من المعلومات المضللة والخاطئة.

  1. منصات إخبارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي:

سجلت هذه الفئة نسبة (7.69%) من المعلومات الخاطئة، ولم تًسجل أي نسبة للمعلومات المضللة.

ويتضح مما سبق أن الصفحات الاجتماعية والمستخدمون الأفراد عبر منصات التواصل الاجتماعي يمثلون المصدر الأكبر لنشر المعلومات المضللة والخاطئة على حد سواء، ويشير هذا إلى أهمية دور الأفراد والجماعات غير الرسمية في تكوين الروايات العامة خلال الأزمات.

المحور الخامس: توزيع دوافع التضليل وفقاً لمصادر الادعاء

تشير نتائج التحليل الظاهرة في الشكل رقم (5) إلى تأثير الحسابات المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإخبارية في بث النعرات الطائفية والقومية، وتأثيرها على الرأي العام، التشويش على العمليات العسكرية، التلاعب بالعواطف، تشويه السمعة، وخلق حالة من الخوف وعدم الاستقرار.

وهذه الاحصائيات توضح مدى تأثير هذه الحسابات على المجتمع في نشر الفوضى والخوف وتعزيز الانقسامات، انطلاقاً من كون وسائل التواصل الاجتماعي تمتلك قدرة هائلة على التأثير في مشاعر الناس وسلوكياتهم. لذلك عند استخدام هذه المنصات لنشر معلومات مغلوطة أو مثيرة للذعر، يصبح الناس أكثر عرضة للشعور بالخوف وعدم الاستقرار. ويمكن للتلاعب بالعواطف، كما هو موضح في البيانات، أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة مثل التشويش على العمليات العسكرية أو إثارة نعرات طائفية وقومية، مما يعزز من الانقسامات داخل المجتمع.

المحور السادس: توزيع دوافع التضليل وفقاً للتصنيفات الرئيسية للمعلومات

تشير الإحصائيات الواردة في الرسم البياني (الشكل رقم 6) إلى أن المعلومات الخاطئة لها تأثير أكبر في خلق الذعر والخوف والتلاعب بالعواطف، بينما المعلومات المضللة تؤثر بشكل أكبر في تشويه السمعة والتأثير على الرأي العام.

وتتمثل دلالة هذه الإحصائيات بما يلي:

أولاً: كان للمعلومات الخاطئة التأثير الأكبر من ناحية خلق الذعر والخوف بنسبة (%23.1)، مقارنة بالمعلومات المضللة (%7.7)، وهذا يعني أن المعلومات غير الدقيقة أو المحرفة، حتى لو كانت غير متعمدة، أكثر قدرة على إثارة مشاعر الخوف والذعر لدى الجمهور، وذلك بفعل انتشار هذه المعلومات بسرعة دون تدقيق.

ثانياً: طغت المعلومات الخاطئة على المعلومات المضللة بشأن التلاعب بالعواطف، حيث شكلت نسبة الأولى (%17.9) أما الثانية فقد بلغت (%7.7)، وهذا يعني أن المعلومات الخاطئة تؤثر مباشرة على مشاعر الناس، وتم صياغتها بطريقة بطريقة مثيرة للتعاطف أو الغضب دون أن تكون مضللة بالضرورة.

ثالثاً: فيما يتعلق بدافع تشويه السمعة، فإن المعلومات المضللة أكثر تأثيراً في هذا الجانب بنسبة (%10.3)، لكون تشويه السمعة غالبًا ما يكون متعمدًا، ولهذا فإن التضليل يلعب دورًا رئيسيًا في استهداف أشخاص أو جهات معينة لتدمير سمعتهم.

رابعاً: تلعب المعلومات الخاطئة دوراً أكبر في خلق حالة من عدم الاستقرار مقارنة بالتضليل بنسبة (%17.9)، ويرجع ذلك إلى طبيعتها غير المقصودة وسرعة انتشارها دون تحقق أو تدقيق، غالبًا ما تكون مبنية على سوء فهم أو معلومات غير دقيقة، مما يجعلها تنتشر كحقائق بين الجمهور دون نية للتضليل. لذلك فإن غياب التحقق يعزز من انتشارها بشكل واسع، لا سيما عندما تتعلق بقضايا حساسة كالأمن والاقتصاد، ما يخلق حالة من الارتباك والبلبلة.

خامساً: أظهر التحليل أن المعلومات الخاطئة قد تؤدي إلى إرباك حول العمليات العسكرية بنسبة  (%5.1)، وهذا مرتبط بنقل معلومات قديمة أو غير دقيقة تتعلق بتفاصيل العمليات.

سادساً: رغم أن المعلومات المضللة لا تسجل نسبًا مرتفعة في التأثير المباشر على الرأي العام وإضعاف المعنويات بنسبة (%2.6)، إلا أن تأثيرها يمكن أن يكون أعمق وأكثر استراتيجية. فهدف المعلومات المضللة غالبًا ما يكون غير فوري، بل يسعى إلى التأثير على المواقف السياسية وتغيير الانطباعات العامة تدريجيًا، وذلك من خلال نشر رسائل دقيقة ومحكمة، قد تستهدف هذه المعلومات زعزعة الثقة في القيادات أو السياسات، أو تحريف الحقائق بمرور الوقت، مما يؤدي إلى تغيير في الرأي العام على المدى البعيد.

سابعاً: المعلومات الخاطئة (%5.1) لها تأثير في إثارة النعرات الطائفية أو القومية، وذلك لأن المعلومات التي تُنشر بحسن نية أو بدون قصد قد تكون مضللة بشكل غير متعمد، لكنها تساهم في زيادة التوترات بين الفئات المختلفة في المجتمع. وعند تداول معلومات غير دقيقة حول قضايا حساسة تتعلق بالهوية أو الانتماءات الطائفية والقومية، يمكن أن تؤدي هذه المعلومات إلى سوء فهم وتصاعد الخلافات بين المجموعات المجتمعية. حتى وإن لم يكن هناك نية للتضليل، فإن تأثير هذه المعلومات يظل قويًا في تعميق الانقسامات الاجتماعية وتعزيز الشعور بالاستقطاب.

خلاصة القول إن المعلومات الخاطئة التي تم رصدها خلال شهر سبتمبر/أيلول ترتبط أكثر بالجوانب التي تؤثر مباشرة على الحالة النفسية والمشاعر (كالخوف والتلاعب بالعواطف)، بينما المعلومات المضللة تركز أكثر على تشويه السمعة والتأثير على الرأي العام بشكل استراتيجي ومعقد.

الخاتمة

في الختام، يتضح أن المعلومات المضللة والخاطئة تمثل تحديًا حقيقيًا يتطلب وعيًا جماعيًا وجهودًا متكاملة لمواجهته، خاصة في ظل الأزمات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط. لقد أظهر تحليل المعلومات التي تم رصدها خلال شهر سبتمبر/أيلول 2024 أن التضليل الإعلامي لم يعد مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبح أداة استراتيجية تستخدمها أطراف متعددة لتحقيق أهدافها.

إن ارتفاع نسبة المعلومات المضللة، خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي، يعكس الحاجة الملحة لتعزيز مهارات التحقق من المعلومات والوعي الإعلامي لدى الجمهور، لذلك فإن التحقق من المصادر ورفع مستوى الوعي بمخاطر التضليل يجب أن يكونا من الأولويات لضمان دقة المعلومات المتداولة وتعزيز الفهم الصحيح للحقائق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى