تضارب في المعلومات يشهده الإعلام العبري في ذروة الأحداث
ياسر مناع – مسؤول قسم الرصد العبري في تحقق
شهدت وسائل إعلام عبرية وحسابات صحافيين عاملين فيها تضارباً في المعلومات، خصوصاً في اللحظات الأولى لتنفيذ عملية إطلاق نار في الأغوار الفلسطينية، التي نفذها فلسطينيان على الأقل يوم الأحد 04/09/2022، حيث شهدت المنصات العبرية تدفقاً للمعلومات المختلفة المتعلقة بحيثيات العملية، جانب منها غير صحيح، وجرى تداولها من قبل صفحات إخبارية واجتماعية فلسطينية، يستعرض المرصد الفلسطيني “تحقق” جانبا منها.
فمثلًا تضاربت المعلومات في المواقع العبرية حول حيثيات احتراق مركبة منفذي العملية، إذ ذكرت مواقع عبرية في بادئ الأمر أن منفذي العملية أحرقوا مركبتهم بعد تنفيذ العملية، ومن ثم نشرت إذاعة “كان” مقطع فيديو وثقته إحدى كاميرات المراقبة في المنطقة، وتداوله الإعلام العبري للحظة احتراق المركبة أثناء مطاردة الجيش لها في شارع فرعي، وادعت هذه المواقع بأن الحريق ناجم عن اشتعال زجاجة حارقة كانت بحوزتهم، إلا أن هذا التضارب في المعلومات أثار التساؤلات حول سبب احتراق المركبة، وإذا ما تعرضت لاستهدافٍ بصاروخ أو إطلاق نار من قبل جيش الاحتلال أثناء مطاردتها.
תיעוד בלעדי: רכב המחבלים שביצעו את פיגוע הירי בבקעת הירדן מתלקח בזמן ההימלטות@carmeldangor pic.twitter.com/rdTKOzsKmZ
— כאן חדשות (@kann_news) September 4, 2022
أما قناة “إنتلي نيوز” في موقع تليجرام فقد ذكرت قرابة الساعة 12:35 ظهرًا من يوم العملية أن العملية يبدو أنها وقعت في موقعين مختلفين، ثم تبين لاحقًا أنها وقعت في مكان واحد.
في يوم 05 سبتمبر/ أيلول 2022، نشر مراسل القناة “14 العبرية” هليل بيتان روزين عبر حسابه في موقع تويتر أن الجيش اعتقل شخصاً عربياً في منطقة الأغوار من الممكن أن يكون منفذ العملية الثالث -الذي يطارده جيش الاحتلال حتى كتابة التقرير-، حيث نقلت بعض المواقع الإخبارية الفلسطينية أن الجيش تمكن من اعتقال المنفذ الثالث للعملية، وبعد البحث في المصادر العبرية تبين أن روزين وحده من نشر الخبر دون أن يؤكده أو ينفيه، فيما ذكرت القناة “12 العبرية” وقناة “كان” خلال نشرتهما المركزية مساء ذات اليوم أن الجيش ما يزال يطارد منفذ العملية الثالث.
נלכד ערבי חשוד שהוא ככל הנראה המחבל השלישי שביצע את פיגוע הירי אתמול בבקעה.
— הלל ביטון רוזן | Hallel Bitton Rosen (@BittonRosen) September 5, 2022
ليست الحادثة الوحيدة التي تنشر فيها المنصات العبرية في مواقع التواصل الاجتماعي تويتر، فيسبوك، وتليجرام، معلومات مضللة، بعضها يتعلق بالشأن الفلسطيني.
وبالتالي، لا يمكن اعتبار أي موقع إخبار عبري مصدرًا للمعلومة. ومن خلال متابعة المواقع المذكورة تم رصد بعد الأخبار المضللة التي حظيت بتفاعل كبير، خلال الفترة الماضية، وتناقلتها المصادر الفلسطينية.
نشرت قناة “301 العالم العربي” العبرية في تطبيق التليجرام، بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2022، التي تحظى بنحو 13 ألف متابعًا، خبرًا يفيد بطلب حزب الله اللبناني من الأجانب والصحافة مغادرة لبنان، دون ذكر تفاصيل إضافية أو مصدر الخبر الذي نُقلت المعلومة منه.
وكان البحث في صحة الادعاء من خلال التواصل مع الإعلامي والمحلل السياسي اللبناني المقرب من حزب الله فيصل عبد الستار، الذي نفى لمرصد “تحقق” صحة المعلومات المتعلقة بطلب حزب الله من الصحافة والأجانب مغادرة لبنان.
ونشر موقع “روتر نت” العبري، بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2022، الذي يحظى بأكثر من 14 ألف متابع، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، خبرًا مع عنوان مرفق” تحركات غير عادية لمقاتلي الحزب في جنوبي لبنان”، وأفاد أن شبكة اتصالات الحزب تظهر أن قادته طلبوا من عناصرهم الدخول في حالة تأهب قصوى، دون ذكر تفاصيل إضافية أو مصدر الخبر الذي تم نقل المعلومة منه.
للتحقق من صحة الادعاء، جرى البحث في المواقع العبري والعربية التي لم نجد بها أي ذكر لهذا الخبر أو شيء مشابه، وهو ما نفاه أيضا الإعلامي والمحلل السياسي اللبناني فيصل عبد الستار، الذي أكد للمرصد أن ما جرى هو استنفار في صفوف المقاومة للجاهزية، وليس للتأهب.
كما نشر صحافي يدعى أورن أهاروني بتاريخ 11 أغسطس/ آب 2022، في صفحة “أنباء من الميدان” على موقع فيسبوك، التي تحظى بمتابعة ألف شخص تقريبًا، خبرًا مع عنوان مرفق “نابلس: مركبة إسعاف يتم استخدامها كساتر لراشقي الحجارة على الجيش”.
جرى التحقق من صحة ادعاء الصحافي، بالتواصل مع مسؤول الإغاثة الطبية في نابلس الدكتور غسان حمدان، الذي نفى بشكل قاطع صحة الادعاء، موضحًا أن مركبة الإسعاف تواجدت في المكان استجابة لنداء بوجود جريح أصيب برصاص الاحتلال، وعملت على إخلائه من الموقع والمغادرة مباشرة من المكان.
كما جرى العودة إلى مقطع فيديو وثقته وكالة “جي ميديا” الإعلامية، ويظهر الفيديو لحظة وصول مركبة الإسعاف التابعة للإغاثة الطبية لمنطقة السوق الشرقي، وسط نابلس، ونقلها أحد المصابين من الموقع، قبل أن تغادر المكان مباشرة.
في حادثة أخرى نشر موقع “إنتلي نيوز- أخبار الشرق الأوسط” في تطبيق تليجرام، الذي يحظى بمتابعة أكثر من 12 ألف متابع، خبرًا مع عنوان مرفق “الجهاد الإسلامي أبلغ حركة حماس بأنها ستغادر غرفة العمليات المشتركة، حماس عملت ضد الجهاد الإسلامي خلال عملية مطلع الفجر”. وقصد بها خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
وتبين عدم صحة الادعاء، حيث بحث مرصد “تحقق” في المواقع الإعلامية التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، وقناة الغرفة المشتركة في موقع التليجرام، ولم يُعثر على أي خبر أو تصريح يتعلق بهذا الخصوص، وجرى التواصل مع الناطق الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي طارق السلمي، الذي نفى بدوره هذا الخبر، وأكد أنه عارِ عن الصحة، وهو ما نفاه أيضا جملة وتفصلاً الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم.
تدوير المصادر شكل آخر من أشكال التضليل
هناك شكل آخر من المعلومات، وهي المعلومات الإخبارية المدورة؛ أي أن بعض الصفحات الإخبارية العبرية تنشر أخبارًا نقلًا عن مصادر فلسطينية، بينما تقوم بعض المواقع والصفحات الفلسطينية بنقل هذه المعلومات، على اعتبار أن مصدرها عبري، ومن أكثر المواقع التي تسلك هذا النهج هو موقع 0404 العبري، وفي بعض الحالات تكون الأخبار لا أساس لها من الصحة.
فعلى سبيل المثال ذكر موقع 0404 العبري بتاريخ 29 يونيو/ حزيران 2022 نقلًا عن مصادر فلسطينية، خبرًا مفاده ارتقاء شهيد في اشتباك مسلح وقع مساء اليوم، بين مقاومين وقوات الاحتلال في منطقة بلاطة البلد، شرقي نابلس.
تواصل مرصد “تحقق” مع مسؤول الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر فرع نابلس، أحمد جبريل، حيث بين للمرصد أن الطواقم الطبية تعاملت مع 25 إصابة، منها 3 إصابات بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، و17 إصابة بالاختناق بينها إصابات في صفوف عائلتين في منطقتي بلاطة وعسكر، دون ارتقاء أي شهيد.
المصادر العبرية ليست على مستوى واحد من المصداقية
لا يمكن التعامل مع المصادر العبرية بمستوى واحد، حيث تتفاوت فيما بينها من حيث المصداقية وقوة المعلومة.
فهنالك مواقع وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي تابعة للصحف الرئيسية، مثل: صحيفة “يديعوت أحرنوت“، “معاريف“، و”هآرتس“، كما توجد صفحات تعود ملكيتها للقنوات الإخبارية، مثل: “القناة 13، القناة 12، والقناة 14“.
وقسم من المعلومات تؤخذ من صفحات المراسلين السياسيين أو العسكريين أو السياسيين، مثل: المراسل العسكري أمير بحبوط، أو المراسل إيتاي بلومنتال، أو إيهود خيمو.
وهنالك بعض المواقع الإخبارية المعتمدة القائمة بذاتها، أي أنها غير تابعة لأي صحيفة أو فضائية، كموقع “وللا” الإخباري.
إلى جانب صفحات خاصة بالسياسيين والأحزاب، تنشر الأخبار التي تتعلق بمواقفها السياسية مثل حزب الليكود، وصفحات تابعة لمراكز البحث العبرية، مثل: معهد دراسات الأمن القومي، وصفحات رسمية تعود للناطقين الرسميين باسم الاحتلال.
لذلك من الأجدر تقصي الأخبار الخاصة بالأحزاب السياسية من المواقع والصفحات الخاصة بها، كذلك الحصول على الأخبار المتعلقة بجيش الاحتلال من حيث الاعتقالات أو عدد الإصابات والقتلى وما شابه ذلك، وتقصيها من صفحات الناطقين باسم جيش الاحتلال أو المراسلين العسكريين للقنوات والمواقع الإخبارية العبرية.
ويجدر الانتباه أيضًا إلى دور الرقابة العسكرية في تضليل الأخبار تارة، وبث المعلومات المضللة منها قصدًا، لأغراض أمنية أو بهدف إثارة الخلافات في المجتمع الفلسطيني من جهة أخرى.