مجزرة “التابعين”: الحقيقة في مواجهة الدعاية العسكرية
إعداد: فاطمة الخطيب
شن الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت 10 أغسطس/آب الجاري، غارة جوية استهدفت مدرسة التابعين ومسجد داخل المدرسة في حي الدرج وسط مدينة غزة، وأسفر الاستهداف عن ارتقاء ما يزيد عن 100 شخص وإصابة العشرات وفق إعلان مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة.
عقب الغارة الجوية أصدر جيش الاحتلال بياناً قال فيه إن العملية استهدفت “إرهابيين” كانوا يستخدمون مسجدًا في مجمع مدرسة “التابعين” كمقر عسكري للتخطيط وتنفيذ هجمات ضد الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة.
فيما أثارت المجزرة ردود أفعال دولية عليها، ومنها بيان البيت الأبيض السبت 10 آب/ أغسطس الذي أعرب خلاله عن “قلقه العميق” بعد الضربة الإسرائيلية، لمدرسة التابعين.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي شون سافيت في بيان “نبدي قلقا عميقا حيال تقارير عن مقتل مدنيين في غزة”، موضحا أن الولايات المتحدة “طلبت الحصول على مزيد من التفاصيل”، فيما أدان وزراء عدد من خارجيات الدول العربية من بينها مصر وقطر والعراق والأردن المجزرة الإسرائيلية بحق المدنين في مدرسة التابعين، مطالبين المجتمع الدولي باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لوقف الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة.
من جانبها، قالت تركيا وإيران إن إسرائيل ارتكبت جريمة ضد الإنسانية والهدف هو قتل المصليين المدنيين.
بدوره، حمّل الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، الإدارة الأميركية، مسؤولية ارتكاب المجزرة “جراء دعمها المالي والعسكري والسياسي للاحتلال”، وشدد على أنها “استمرار للمجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة وكذلك في الضفة الغربية والتي تؤكد مساعي دولة الاحتلال لإبادة شعبنا عبر سياسة المجازر الجماعية وعمليات القتل اليومية، في ظل صمت دولي مريب”.
يقف المرصد الفلسطيني “تحقق” في هذا التقرير على صحة ادعاءات الاحتلال بشأن دوافع وحيثيات استهداف المدرسة التي تشكل ملجأ للنازحين في مدينة غزة.
أولاً: تفنيد مزاعم المتحدث باسم جيش الاحتلال بشأن قائمة المستهدفين في مجزرة “التابعين”
نشر المتحدث باسم جيش الاحتلال أفخاي أدرعي، قائمة تضم 19 شخصاً، ادعى أنه تم استهدافهم خلال هذه العملية، زاعماً أنهم ينتمون إلى حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال و”الشاباك” استهدفوا “مخربين” عملوا داخل مقر عسكري تم وضعه داخل مسجد في مجمع مدرسة التابعين في حي الدرج.
بعد البحث والتحري في المصادر العلنية حول الأسماء المتداولة في القائمة المنشورة من قبل جيش الاحتلال، تبين احتوائها على أسماء لشهداء ارتقوا قبل المجزرة بأيام، ومنهم الشهيد يوسف سيد الوادية، الذي تبين أنه استشهد قبل يومين من مجزرة التابعين، وهو ما ينفي حتماً تواجده في المدرسة.
كما أدرج أيضاً اسم منذر نصر ضاهر، ضمن المستهدفين في مجزرة مدرسة التابعين، لكن بعد التحقيق، تبيّن أن الاسم الحقيقي للشاب هو منتصر نصر ضاهر، وليس منذر ، وهو استشهد قبل المجزرة بيوم.
وتمكن فريق المرصد من الوصول إلى مصادر مقربة من الشهيدين (طلبوا عدم ذكر أسمائهم من قبل المرصد خوفاً من تعرضهم للاستهداف في غزة) للاستيضاح حول حيثيات استشهادهم، إذ أوضح أحدهم أن الشهيد منتصر استشهد برفقة شقيقته نعمة يوم 9 أغسطس/ آب 20 الجاري، إثر قصف طال شقتهم في الشارع المقابل للخدمة العامة مقابل شركة الكهرباء وسط مدينة غزة.
وأضاف المصدر أن منتصر مهندس معماري ولديه شركة مقاولات، وعمره يقارب 30 عاماً، وهو لا ينتمي لأي تنظيم سياسي أو حزبي وليس له أي أعمال أو أنشطة عسكرية.
وأفاد مصدر عائليٌ آخر لـ”تحقق” أن الشهيد يوسف الوادية استشهد قبل المجزرة بيومين، وفي مكان وحادثة مختلفة عن مجزرة التابعين.
وهو ما يؤكده مدير المرصد الأورومتوسطي رامي عبده بالقول: “إن التحقيقات الأولية أثبتت بالفعل عدم صحة الأسماء التي نشرها جيش الاحتلال، واتضح بعد المراجعة الأولية، أن من بين 19 اسمًا نشرها الجيش الإسرائيلي على أنهم إرهابيون تم القضاء عليهم في مجزرة مدرسة التابعين، 3 استشهدوا في حوادث قصف إسرائيلي سابقة، وهم أحمد إيهاب الجعبري الذي قتله الجيش الإسرائيلي في 5 ديسمبر/كانون أول 2023، ويوسف الوادية الذي استهدفه الاحتلال قبل يومين من المجزرة ومنتصر ضاهر الذي قتل يوم الجمعة 9 أغسطس/آب برفقة شقيقته داخل شقة سكنية، أي قبل المجزرة بيوم واحد”.
وأضاف عبده لـ”تحقق” أن من بين الضحايا ثلاثة مدنيين مسنين لا علاقة لهم بالعمل العسكري، وهم محمد الطيف أكاديمي سابق ومدير مدرسة، ونائب رئيس بلدية بيت حانون عبد العزيز مصباح الكفارنة، والأكاديمي بدرجة بروفيسور يوسف كحلوت أستاذ اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في غزة، وستة من المدنيين بعضهم معارض لحركة “حماس”.
كما تبين من بين الشهداء مدير أوقاف غزة الشيخ محمد حسن أبو سعدة، حيث نُشرت له عدد من الفيديوهات السابقة وهو يتلو آيات القرآن أثناء إمامته أحد المساجد في غزة، وفي مقطع فيديو آخر وهو يسرد آيات قرآنية برفقة شيوخ آخرين.
في حين، نشر صحفيون وناشطون صورة لرسالة كان قد أرسلها الشيخ محمد قبل المجررة بليلة واحدة، يذكر النازحين بأهمية حضورهم لحلقة سرد القرآن الكريم في مسجد التابعين عند فجر يوم السبت 10 أغسطس / آب، أي صباح المجزرة.
ثانياً:
أعلن المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة عقب المجزرة، أن الاحتلال استهدف النازحين بشكل مباشر أثناء تأديتهم صلاة الفجر، مما أدى إلى ارتفاع سريع في أعداد الضحايا. وأضاف المكتب الإعلامي أن حجم المجزرة وعدد الضحايا الكبير حال دون تمكن الفرق الطبية والدفاع المدني وفرق الإغاثة والطوارئ من انتشال الجثث بسرعة.
وأشار ثوابتة إلى أن القصف استهدف المدرسة بثلاثة صواريخ، كل منها يزن ألفي رطل من المتفجرات. وشدد على أن الجيش الإسرائيلي كان على علم بوجود النازحين داخل المدرسة، واصفًا رواية الجيش الإسرائيلي لما حدث بأنها “مليئة بالأكاذيب والمعلومات المزيفة، وأنه يسعى من خلال بياناته الزائفة تبرير جرائمه في حق شعبنا”.
شكك المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي بالمعطيات الواردة في تقارير المكتب الحكومي حول حجم الدمار والضحايا جرّاء المجزرة التي ارتكبها في مدرسة “التابعين” في حي الدرج وسط غزة، حيث أشار المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة أن الغارة تمت بواسطة بثلاثة صواريخ، زنة كل صاروخ منها ألفي رطل (907.184 كجم) من المتفجرات، مشدداً على أن الجيش الإسرائيلي كان على علم بوجود النازحين داخل المدرسة. بيد أن “أدرعي” شكك في تفاصيل عملية الاستهداف التي أوردها الإعلام الحكومي في غزة، مدعياً بأنها تمت من خلال ثلاث قنابل دقيقة والتي وحسب الجهات المعنية المختصة غير قادرة عن إلحاق هذا القدر من الدمار الذي يتطابق وتقارير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وأضاف المتحدث باسم الجيش بأن المعطيات لديهم تشير إلى أن الغارة لم تسفر عن دمار كبير في المجمع الذي تم استهدافه، وذلك يتضح من صورة المجمع بعد الغارة. كما أنه تم اتخاذ خطوات عديدة قبل الغارة من شأنها تقليص احتمالية تعرض المدنيين للأذى شملت استخدام أنواع الذخيرة الدقيقة ذات رأس حربي صغير، ووسائل تصوير جوي، وجمع معلومات استخبارية دقيقة.
تصريحات أدرعي تتنافى وتوثيقات الصحافيين وشهادات الناجين من المجزرة، حيث نشر الصحفي إسلام بد مقطع فيديو للحظات الأولى بعد الجزرة، يوصف فيه حجم الدمار الذي لحق بالمكان، قائلاً: “الجثامين المقطعة، وبرك الدماء في كل مكان.. لا أستطيع التقدم أكثر حتى لا أمشي فوق الأشلاء”، قبل أن ينبهه أحد المسعفين بأنه يقف فوق قطع من أجساد الشهداء، وفق ما يظهره مقطع الفيديو بشكل واضح.
كما وفي اليوم التالي للمجزرة، نَقل صحافيون آثار المجزرة وما خَلفته من أدلة وشواهد على حجم الاستهداف، حيث أظهرت الصور ومقاطع الفيديو بقايا لأشلاء المصلين ودمائهم التي تناثرت على جدران المكان بفعل شدة الانفجار.
وفي صورٍ أخرى من مقطع فيديو نشره الصحفي إسلام بدر يتضح فيه مدخل أحد الصواريخ الذي ضَرَبت المدرسة، فيما وُجّهت الصواريخ الأخرى من المداخل الثانية.
وفي توثيقٍ آخر لمراسل الجزيرة أنس الشريف، ظهر أيضاً حجم الدمار وبقايا أشلاء الشهداء ومقتنيات المصليين التي عثر عليها في اليوم التالي للمجزرة.
وفي السياق ذاته، أوضح المرصد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني والقانوني أجرى عملية مسح وتحقيق أولي في مدرسة التابعين التي كانت تؤوي أكثر من 2500 نازح في مدينة غزة، شملت جمع البيانات، وتوثيق شهادات الناجين والشهود، ومعاينة المكان بعد الهجوم. وأظهرت جميع الأدلة والشهادات أن المدرسة كانت خالية من أي تجمعات أو مراكز عسكرية، وأنها لم تُستخدم لأي أغراض عسكرية. وكانت المدرسة تؤوي المئات من الأطفال الذي أمنت عائلاتهم على وجودهم فيها دون الشعور بالخطر، بحسب إفادات الناجين.
إضافة إلى ذلك، فإن خصائص الموقع تدعم استحالة استخدامه لأغراض عسكرية، فالمدرسة كانت تتكون من مبانٍ ضيقة وغير مجهزة بالبنية التحتية اللازمة للعمليات العسكرية، مثل المخابئ أو نقاط الانطلاق. حيث إن هذا المبنى كان يتكون من مساحات ضيقة وغرف صغيرة لا تتناسب مع النشاطات العسكرية التي تتطلب تنظيمًا ودعمًا لوجستيًّا. كما أن الشهادات التي تم جمعها من المدنيين النازحين فيها تشير إلى عدم وجود أي نشاطات عسكرية أو تجهيزات في المدرسة، بل على العكس، كانت تُستخدم كمأوى طارئ للمدنيين الذين فروا من المناطق المدمرة. هذه العوامل تجعل من غير الممكن أن يكون للموقع أي دور عسكري أو أن يُستخدم لأي أغراض عسكرية، مما يجعل الهجوم على هذه المدرسة غير مبرر ويمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
وقال المرصد إن القصف الإسرائيلي استهدف على نحو مباشر نازحين أثناء أدائهم لصلاة الفجر في مصلى المدرسة، وكذلك الجزء العلوي من المصلى المخصص لإيواء النساء والأطفال. وذكر أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي أطلق خلال هذه الاستهداف ثلاثة قنابل أميركية مجنحة ذات قدرة هائلة على التدمير والحرق وإذابة الأجساد، فقتل أكثر وأشار إلى أن القنابل تسببت بتحول أجساد الضحايا إلى أشلاء وأجزاء مقطعة ومحترقة، وكذلك الحال بالنسبة لعدد كبير من الإصابات الحرجة، وذلك نظرًا للقوة التدميرية الهائلة لهذه القنابل. وبحسب الدفاع المدني الفلسطيني في غزة، فإن بعض القنابل المستخدمة ضد المدرسة المكتظة بالنازحين بلغ وزنها حوالي 2000 رطلًا.
ونبه إلى أن ما تبرير الجيش الإسرائيلي المجزرة بالقول إنه استهداف موقعًا عسكريًّا غير مثبت ولا يعد مبررًا لقتل هذا العدد الكبير من المدنيين، مشددًا على أنه لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في قتل وحرق وجرح مئات المدنيين يوميًّا، ثم الادعاء بوجود أهداف عسكرية في الأماكن المستهدفة دون تقديم أدلة حقيقية أو السماح لجهات دولية مستقلة بالتحقق من صحة هذه الأدلة.
ناجين من المجزرة يدلون بشهاداتهم
وثقت صحيفة “القدس العربي” شهادات نازحين شهدوا تفاصيل المجزرة، حيث قال أحدهم ويدعى يوسف النجار: “استيقظنا على صوت ضربة جوية أعقبها انفجاران ضخمان، فنزلت إلى المكان، حيث أصابتني الصدمة من مشهد الشهداء” مضيفاً: “من شدة القصف تطايرت بعض الجثث إلى الشارع. أشلاء كبار وصغار. أطفال شهداء وجدناهم مرميين في الشارع”.
وفي شهادة أخرى وثقها قناة TRT عربي، يقول أحد النازحين أنه أشلاء ولحوم جثامين الشهداء، فيما تقول ناجية ” كنا واقفين نصلي، وبشكل مفاجئ رأينا الدخان يتصاعد والنار والصواريخ” .
وقالت المواطنة سوزان محمد البراوي، وهي نازحة في مدرسة “التابعين” لفريق الأورومتوسطي: “كنا نائمين. استيقظنا على صوت الانفجار واشتعال النار، خرجنا من فصولنا لنجد النار تشتعل عند المصلى، مصلى النساء في مدرسة التابعين يقع فوق مصلى الرجال مباشرة، وفيه عائلات كثيرة نزحت بعد استهداف بيوتها. كان هناك ما لا يقل عن 20 عائلة، منهم نساء كبار السن وأطفال. الصواريخ سقطت من بينهم فقتلوا، ومن بقي على قيد الحياة إما قُطعت أطرافه أو أصيب بحروق بليغة، ورأيت إصابات قد خرجت أحشاءهم. من بين الضحايا فتيات صغيرات أكبرهن 13 عامًا وأخرى 10 سنوات، وآخرون بعمر السنتين.”
وفي مقطع فيديو لناجية أخرى من المجزرة وثقته قناة الجزيرة، أوضحت أن ابنها ارتقى ساجدا، دون وجود لأي من المظاهر العسكرية كما يدعي الاحتلال.
فصائل فلسطينية تنفي مزاعم الاحتلال
نفت حركة حماس في بيان لها مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بوجود مسلحين داخل مدرسة التابعين. وأكدت الحركة أن الجيش الإسرائيلي “يحاول تبرير جريمته في ظل الانتقادات الدولية الواسعة، من خلال ادعائه الكاذب والمضلل أن 19 شهيدًا من بين أكثر من 100 من المدنيين قتلهم بدم بارد في مجزرة مدرسة التابعين، هم من نشطاء المقاومة”.
وأوضحت حماس أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأن القائمة تضم أطفالًا وموظفين مدنيين وأساتذة جامعات ورجال دين لا صلة لهم بأي نشاط سياسي أو عسكري.
وشددت الحركة على أن جميع ضحايا المجزرة كانوا مدنيين، ولم يكن بينهم أي مسلحين، وتم استهدافهم أثناء تأديتهم صلاة الفجر.
كما نفت حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين، بشكل “قطعي” مزاعم إسرائيل بوجود مسلحين للحركة في مدرسة “التابعين” بحي الدرج في مدينة غزة، والتي قصفها الجيش الإسرائيلي، السبت، مخلفا أكثر من 100 قتيل وعشرات الجرحى.
ليست المجزرة الأولى تزهق فيها حياة المدنيين خلال حرب غزة
منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية بهجوم على مستوطنات غلاف غزة، وما أعقبها من حرب إسرائيلية ما تزال مستمرة وأسفرت عن حتى اللحظة أكثر من 49 ألف شهيد ومفقود، وما يزيد عن 92 ألف مصاب، وفق أحدث إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية.
ارتكب الاحتلال عدداً من المجازر بحق المدنيين الفلسطيني في قطاع غزة، كان يعقبها دائماً بمبررات ومعلومات مضللة ومفبركة بهدف التنصل من مسؤوليتها حولها، ومنها مجزرة مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر/تشرين أول 2023، والتي راح ضحيتها نحو 500 شهيد، لكن حينها ادعى الاحتلال أن المجزرة كانت إثر إطلاق فاشل لصاروخ فلسطيني مصدره “الجهاد الإسلامي”، لكن سرعان ما اتضح عدم صدق رواية الاحتلال من خلال عدد من الأدلة التي جمعها و فندها فريق “تحقق” وعدد من المؤسسات في حينها.
لم يقتصر الأمر على مجزرة المعمداني، بل ساق الاحتلال جملة من الادعاءات بحق المستشفيات في قطاع غزة، لتبرير عمليات الاستهداف المتكررة بحقها، ومنها الفيديو الذي نشره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين ثاني 2023 لـجدول المناوبة الأسبوعية لطاقم المستشفى، مدعياً أنها أسماء مقاتلين “كانوا يحرسون أسرى إسرائيليين” داخل قبو مستشفى الرنتيسي في قطاع غزة.
روايات مضللة ترافق الاستهدافات المتكررة للمدنيين الفلسطينيين
في صباح يوم الخميس 29 فبراير/شباط 2024 غزة، شن الاحتلال مجزرة دوار النابلسي شارع الرشيد، استشهد فيها أكثر من 104 فلسطينيين وأصيب أكثر من 700 آخرين في مجزرة بعد أن قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي تجمعا لمواطنين ينتظرون الحصول على مساعدات.
في بداية الحادثة لم تنف لإسرائيل مسؤوليتها عن الحادثة، لكن سرعان ما بدأت تتنصل من مسؤوليتها، وأخذت تروج لرواية أخرى مفادها أنّ عشرات الفلسطينيين ممن اجتاحوا شاحنات المساعدات عند تقاطع مدينة غزة، قُتلوا نتيجة التدافع والدهس. وأضاف المسؤول أنّه وبعد تقدّم الشاحنات شمالًا، اقترب أشخاص من قوات الاحتلال، التي شعرت بالخطر وفتحت النار وقتلت عددًا غير معروف منهم، في ردٍّ وصفه بالـ”محدود”، مُشكّكًا في مصداقية الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة الفلسطينية، وفق ما أعلن عنه مسؤول إسرائيلي لوكالة رويترز، لم تذكر اسمه.
كما نشرت صحيفة هارتس الإسرائيلية تحقيق أولي للجيش الإسرائيلي، حيث أشار التحقيق إلى حادثتين كانتا سبب المجزرة ( حسب زعم الاحتلال)، تمثلت الأولى في تدافع العشرات من المواطنين ما أدى إلى مقتلهم نتيجة التدافع والدهس، فيما كانت الحادثة الثانية بأن مسلّحون اعترضوا موكب الشاحنات عند حي الرمال ونهبوا حمولتها، بينما اقتربت الحشود من وحدات جيش الاحتلال في المنطقة، مما دفع هذه الأخيرة لإطلاق أعيرة تحذيرية في الهواء، من مسافة عشرة أمتار، قبل أن تشرع في التصويب نحو الأطراف السفلية لأولئك الذين واصلوا التقدم نحوها، فيما غيّر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري، الرواية كاملة، ونفى بشكل قاطع، أن يكون جنود الاحتلال قد أطلقوا النار باتجاه قافلة المساعدات. وقال هاغاري إنّ آلاف الغزيّين هاجموا الشاحنات وإنّ بعضهم بدأ في دفع آخرين ودعسهم بعنف حتى الموت ونهب الإمدادات الإنسانية.
لكن المرصد الأورومتوسطي نفى رواية الاحتلال نفياً قاطعاً، مشيراً إلى أن التحقيقات الأولية تشير إلى إنّ عشرات الضحايا أصيبوا بأعيرة نارية، بعد قيام دبابات الاحتلال بإطلاق النار بكثافة نحوهم. وأشار إلى أربعة دلائل على تورّط الجيش الإسرائيلي في استهداف المدنيين الجوعى، أولها آثار الإصابات على أجساد الضحايا والمصابين وأكياس الطحين وصناديق المساعدات الملطّخة بدمائهم، التي عاينها أحد باحثي المركز في مجمع الشفاء الطبي، بالإضافة إلى المقاطع التي نشرها شهود عيان، والتي يُسمع فيها صوت الرصاص، الذي أكّد الناجون أنّ مصدره هو دبابات الاحتلال المتمركزة باتجاه البحر.
وتحقّق المرصد من بصمة صوت الرصاص في مقاطع الفيديو، ووجد أنه أُطلق من سلاح آلي عيار 5.56 ملم يستخدمه الجيش الإسرائيلي.
كما رصد الأورومتوسّطي في لقطات جوية نشرها الاحتلال وجود دبابتين على الأقل، وجثث ومصابين على مسارها في حين لا تُظهر أيّ جثث على مسار الشاحنات.