التقارير الشهريةتحققتقارير ومتابعات

ما وراء التدقيق.. رصد وتحليل المعلومات المضللة والخاطئة خلال أكتوبر/تشرين الأول 2024

مع استمرار العمليات العسكرية في غزة وجنوب لبنان، يتزايد انتشار المعلومات المضللة والخاطئة في الفضاء الرقمي، الذي يُعَد بيئة خصبة لمروجي المعلومات المضللة والخاطئة بهدف خلق الفوضى، والتأثير على الرأي العام، وتوجيهه لأغراض متعددة، خصوصًا في أوقات الحروب والنزاعات.

منذ بداية أغسطس/آب، كثف فريق المرصد الفلسطيني “تحقق” جهوده في رصد وتحليل الادعاءات المضللة المنتشرة عبر الفضاء الرقمي، بدعم من الشبكة الدولية لتدقيق المعلومات “IFCN”. وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، أصدر المرصد 49 تقريرًا لمعلومات تم تدقيقها وتصحيحها، تركزت بالدرجة الأولى حول الحرب في لبنان، وفي الدرجة الثانية حول الحرب في قطاع غزة، والتوترات المتصاعدة في فلسطين بشكل عام.

في هذا التقرير، يستعرض مرصد “تحقق” تحليل 47 تقريرًا بهدف تسليط الضوء على أبرز حملات وأساليب التضليل البادية في المعلومات المتداولة خلال فترة التحليل، والكشف عن مصادرها والدوافع الخفية وراءها، في محاولة لتقديم رؤية شاملة ومنهجية لما وراء عمليات تدقيق المعلومات التي يجريها المرصد.

المحور الأول: التصنيفات العامة للمعلومات الخاطئة والمضللة

أظهر التحليل الإحصائي المعمق للتقارير الصادرة عن المرصد خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الادعاءات تم تقسيمها إلى تصنيفين رئيسيين، وفقًا لمنهجية المرصد المستندة إلى المنهجيات والمعايير العالمية، وذلك كما يلي (الشكل رقم 1):

المعلومات المضللة (Disinformation): تأتي في المرتبة الثانية بنسبة (34%). وتُعرّف بأنها محاولات متعمدة ومخطط لها تهدف إلى تضليل الجمهور وإرباكهم عبر تقديم معلومات كاذبة، ويُستخدم هذا النوع من المعلومات غالبًا للتأثير على الرأي العام أو توجيه القرارات في اتجاهات محددة، وغالبًا ما يرتبط باستراتيجيات اتصالات معقدة ومجموعة من التكتيكات الأخرى مثل القرصنة أو تشويه سمعة الأفراد والإضرار بمصالحهم.

المعلومات الخاطئة (Misinformation): تشكل المعلومات الخاطئة النسبة الأكبر من الادعاءات، حيث سجلت ما نسبته (66%). ويُعرف هذا النوع بأنه المعلومات التي تُنشر دون وجود نوايا خبيثة أو تلاعبية، وبدون قصد التضليل، لكنها تؤثر سلبًا وتخلق فوضى معلوماتية.

لم تقتصر تصنيفات المعلومات التي تم رصدها على هذين النوعين فقط؛ بل تفرعت من كل تصنيف رئيسي فئات فرعية تعكس تنوع الأساليب المستخدمة في نشر المعلومات غير الصحيحة (الشكل رقم 2):

الشكل رقم (2): التصنيفات الفرعية للمعلومات التي تعامل معها مرصد “تحقق” خلال شهر أكتوبر/تشرين أول 2023

بالنسبة للمعلومات الخاطئة، جاءت التصنيفات الفرعية كالتالي:

“الربط الخاطئ” بنسبة (46.8%): هذا النوع هو الأكثر شيوعًا، ويشير إلى أن الكثير من المعلومات يتم تقديمها بطرق تربط بين عناصر غير مترابطة، مما يؤدي إلى خلق صورة غير دقيقة لدى المتلقي.

“المعلومات القديمة” بنسبة (10.6%): تعبر عن المحتوى القديم الذي يُعاد تداوله دون مراعاة السياق الزمني. أما المعلومات الخاطئة بالكامل فكانت نسبتها (8.5%).

على الجانب الآخر، جاءت التصنيفات الفرعية للمعلومات المضللة كالتالي:

“المعلومات الملفقة” بنسبة (17%): هي معلومات مختلقة بشكل كامل أو جزئي بقصد الخداع.

المحتوى “المضلل” بشكل كامل بنسبة (15%): وتهدف هذه المحتويات إلى تضليل الجمهور بشكل متعمد ومقصود.

أما “المعلومات الخاضعة للتلاعب” بنسبة (2.1%): وهي معلومات خطيرة لأنها تعتمد على التلاعب بمحتوى حقيقي لإيصال رسالة مغلوطة.

توضح هذه التصنيفات مدى تنوع أساليب التضليل، وتستدعي فهمًا دقيقًا لكل نوع من أجل مواجهته بشكل فعال، خاصة مع الانتشار الواسع لهذه الأساليب في سياقات الحروب والنزاعات.

المحور الثاني: مصادر الادعاءات.. الجهات القائمة على التضليل

يركز المحور الثاني على تحليل مصادر الادعاءات والجهات المسؤولة عن نشر المعلومات المضللة، والخاطئة، ويستعرض البيانات النسبية لهذه المصادر، مسلطًا الضوء على الدور الذي تلعبه كل جهة في نشر التضليل عبر الإنترنت، سواء كانت صفحات اجتماعية، أو منصات إخبارية، أو صفحات وحسابات داعمة لإسرائيل، وهي على النحو التالي ( الشكل رقم 3):

الشكل رقم (3): مصادر الادعاءات والجهات المسؤولة عن نشر المعلومات المضللة والخاطئة.
  • الصفحات الاجتماعية والمستخدمون عبر منصات التواصل الاجتماعي المصدر الأبرز للمعلومات

تُظهر الأرقام أن ما نسبته (85.1%) من المعلومات المضللة والخاطئة تنبع من صفحات التواصل الاجتماعي والمستخدمين، مما يبرز دور هذه المنصات كمصدر رئيسي لتوزيع المحتوى المضلل. ويُعزى هذا الانتشار الواسع للمعلومات غير الدقيقة إلى سهولة الوصول والمشاركة، المجهولية التي توفرها هذه المنصات، وتأثير خوارزمياتها التي تفضل المحتوى الذي يُحفز التفاعل، حتى لو كان مضللاً، مما يعزز الحاجة إلى تعزيز الوعي الإعلامي وتحسين التحقق من المعلومات بين المستخدمين لمواجهة هذه التحديات بفعالية.

  • المنصات الإخبارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي

تمثل المنصات الإخبارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي (12.8%) من مصادر المعلومات المضللة والخاطئة التي تم رصدها خلال فترة التحليل، ولها تأثير كبير في توجيه الرأي العام رغم نسبتها الأقل مقارنةً بالأفراد. وهذه المنصات تستخدم استراتيجيات إعلامية محددة ولديها القدرة على تشكيل الآراء بفعالية أكبر بسبب مصداقيتها الظاهرية ووصولها الواسع، وتستطيع التأثير على التوجهات السياسية والاجتماعية من خلال تكرار نشر الأخبار الموجهة والمعلومات المضللة، مما يعزز تصورات معينة ضمن الجمهور.

تشير الأبحاث والدراسات إلى أن الجمهور يميل إلى تصديق المعلومات القادمة من المصادر الإخبارية بشكل أكبر بالمقارنة مع المصادر الأخرى، مما يزيد من تأثير هذه المنصات في توجيه الآراء العامة وتعزيز الروايات المعينة، سواء كانت دقيقة أم مضللة.

  • الحسابات الإسرائيلية والغربية الداعمة لإسرائيل

رغم أن الحسابات الغربية والإسرائيلية تمثل نسبة صغيرة من المصادر التي رصدها الفريق (2.1%)، فإن تأثيرها يُعتبر كبيرًا وذو تداعيات هامة على المستوى الدولي، لكون هذه الحسابات غالبًا ما تُستخدم لتعزيز الرواية الإسرائيلية وتقويض مصداقية الرواية الفلسطينية، وذلك عبر استراتيجيات إعلامية متقنة تهدف إلى توجيه الرأي العام الدولي وكسب التعاطف والدعم للمواقف الإسرائيلية.

ويُلاحظ بأن الروايات التي تروجها هذه الحسابات تميل إلى إبراز العناصر التي تدعم السردية الإسرائيلية، بهدف تغيير الرأي العام والسياسات الدولية لصالح إسرائيل.

أبرز ما يمكن ذكره حول دعم السردية الإسرائيلية، ما نشره المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، يوم الأربعاء، 23 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إذ نشر عبر حسابه في منصة “إكس” مقطع فيديو يُظهر نازحين، مدعياً أن جيش الاحتلال يواصل توفير مسارات منتظمة وآمنة للنازحين في منطقة جباليا، والسماح لهم بالنزوح بشكل آمن.

لكن تدقيق مرصد “تحقق” يكشف أن عدم صحة الادعاءـ استناداً إلى شهادة أحد النازحين من شمال قطاع غزة، والذي كشف عن المعاناة الحقيقية التي يواجهها النازحون. فقد تم تقسيمهم إلى مجموعات بحسب الجنس والعمر، مع فرض إجراءات مهينة مثل عرضهم على كاميرات لتمييز الأشخاص الذين سيُعتقلون أو يُسمح لهم بالمرور، ما يتناقض بشكل كبير مع التصريحات الرسمية التي حاولت تصوير الوضع بصورة مغايرة للواقع.

هذه الواقعة تبرز أهمية فحص المعلومات ومراجعتها بشكل دقيق، خاصة في سياقات النزاع، حيث قد تُستخدم التصريحات والبيانات الرسمية لتشويه الحقائق وإخفائها، أو تقديم صورة مغلوطة تهدف إلى التأثير على الرأي العام الدولي.

المحور الثالث: التوزيع الجغرافي للمعلومات التي تم تدقيقها وتصحيحها

تُظهر النسب المستخرجة من الرسم البياني الدائري التوزيع الجغرافي للمعلومات التي تمت معالجتها، وتعكس مستوى الاهتمام بالمناطق الجغرافية المختلفة استنادًا إلى الأحداث الجارية فيها. وهذه النسب توضح درجة التركيز الإعلامي على مناطق معينة، مما قد يشير إلى كثافة تداول الأخبار والمعلومات المتعلقة بها، سواء كانت صحيحة أو مضللة، وهي موضحة كالتالي (الشكل رقم 4):

الحرب في لبنان..التركيز الأكبر في التعرض للمعلومات المضللة والخاطئة

سجلت لبنان أعلى نسبة (46.8%) من المعلومات المضللة والخاطئة المتعلقة التي تم تدقيقها وتصحيحها خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهذا يشير إلى أن النزاعات والحروب تخلق بيئة مثالية للشائعات والمعلومات المضللة، حيث تسعى الأطراف المختلفة لنشر معلومات تحقق مكاسب استراتيجية أو تشويه صورة الخصوم. إلى جانب التحديات المرتبطة بتدقيق المعلومات في مناطق النزاع تزيد من صعوبة تدقيق المعلومات، مما يؤدي إلى تداول بيانات غير دقيقة.

كما تساهم التغطية الإعلامية والروايات المتنافسة أيضًا في تفاقم هذه المشكلة، إذ تحمل وسائل الإعلام أجندات مختلفة وتقدم روايات متباينة، إلى جانب توظيف الإعلام الاجتماعي لتعزيز الانتشار السريع والواسع للمعلومات المضللة، مما يجعل الحاجة ملحة لتعزيز جهود التعاون والشركات بين منصات تدقيق المعلومات.

وتنوعت الادعاءات بين خاطئ ومضلل، فعلي سبيل المثال: في 15 أكتوبر/تشرين الثاني الجاري، تداولت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” خبرًا، ادّعت أنه نقلاً عن صحيفة إسرائيلية تدّعى “حدشوت يسرائيل”، يفيد بأن الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، لا يزال على قيد الحياة ويقود العمليات العسكرية الجارية.

لكن  تدقيق “تحقق” كشف أن الخبر المتداول، ملفق. إذ لا توجد صحيفة إسرائيلية بهذا الاسم، بل هناك قناة على تطبيق “تلغرام” تحمل الاسم ذاته، ولم تنشر القناة هذا الخبر، كما لم تشر له أي وسيلة إعلام موثوقة.

فلسطين في المرتبة الثانية في نشر التضليل

تحتل فلسطين المرتبة الثانية بنسبة (31.9%)، وركزت الادعاء على قطاع غزة بشكل خاص، التصعيدات والاعتداءات الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية على وجه العموم، تنوعت المعلومات بيت التصنيفات الرئيسية والفرعية، فعلي سبيل المثال نشرت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحاً منسوباً إلى وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، قال فيه: “منحنا الشخص الذي أبلغ الجيش عن موقع السنوار في منطقة تل السلطان مبلغ 10 ملايين دولار”، وذلك عقب الإعلان عن استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يحيى السنوار، بتاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

لكنر تدقيق “تحقق” كشف أن التصريح مُلفق، حيث لم يجد المرصد أي ذكر لهذا التصريح في الحساب الرسمي لسموتريتش. فيما أوضحت المصادر الرسمية والإعلامية الإسرائيلية أن الاشتباك الذي أسفر عن مقتل السنوار لم يكن نتيجة معلومات استخباراتية مسبقة، بل حدث بمحض الصدفة.

فئة “أخرى” في المرتبة الثالثة

تشكل الفئات الأخرى نسبة (21.3%) من المعلومات التي تم متابعتها، وتشمل مناطق أخرى غير لبنان وفلسطين، ويُظهر التحليل أن هذه المناطق رغم عدم كونها محورًا أساسيًا للأحداث، إلا أنها ارتبطت بشكل غير مباشر أو مباشر بالحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان. فبعض هذه المعلومات ارتبطت بالردود الإيرانية، سواء عبر التصريحات أو التحركات التي تعكس مواقف طهران تجاه تصعيد الأحداث في المنطقة. كذلك، رصد التحليل تأثيرات على الوضع الإقليمي من خلال الاستهدافات الصاروخية التي أعلنتها جماعات يمنية متضامنة مع لبنان وغزة، مما يعزز مفهوم الترابط بين هذه الصراعات وتداخل الأدوار الإقليمية.

تعددت المعلومات المتداولة، ما بين صور وفيديوهات بعضها قديم، وبعضها الآخر نُسب خطأً إلى أحداث سابقة، وقد قام فريق التحقق بتفنيد هذه المعلومات في تقرير متابعات نشر خلال ذروة الرد الإيراني.

تشير هذه البيانات إلى أن الأزمات والتوترات في لبنان وفلسطين قد شكلت محاور أساسية للمعلومات التي تم تداولها وتحليلها، سواء كانت صحيحة أو محتملة التضليل. ويعكس هذا التركيز العالي على هذه المناطق حساسية الأوضاع السياسية والأمنية فيها، حيث تتفاقم الأحداث وتصاعد التوترات، مما يفتح المجال لانتشار المعلومات المغلوطة أو المضللة. في مثل هذه الأوضاع، غالبًا ما يستغل مروجو المعلومات الخاطئة الظروف الحالية لنشر أخبار قد تكون غير دقيقة أو مضللة، وذلك لتحقيق أهداف متنوعة مثل التأثير على الرأي العام أو تعزيز حالة من عدم الاستقرار.

يأتي هذا الاستغلال الإعلامي كجزء من استراتيجيات التضليل الإعلامي التي تستهدف توجيه الجمهور نحو مواقف معينة، مما يبرز أهمية عمليات التحقق من صحة المعلومات في الأوقات الحرجة، وتجنب الانسياق خلف المعلومات غير المؤكدة التي تنتشر في ظل أجواء النزاع.

المحور الرابع: مستوى تأثير المعلومات حسب دوافعها

يستعرض المحور السادس مستويات تأثير المعلومات وفق دوافعها المختلفة، مُقسمةً إلى فئات تتباين في مدى تأثيرها بين مرتفع، متوسط، وضئيل. ويسعى الرسم البياني إلى توضيح كيف تُستخدم هذه الفئات كأدوات للتضليل الإعلامي وتوجيه الرأي العام نحو وجهات نظر محددة. وفيما يلي تفاصيل البيانات والتفسيرات المتعلقة بكل فئة (الشكل رقم 5):

الشكل رقم (5): مستوى تأثير وانتشار المعلومات المضللة والخاطئة وفقاً لدوافعها.

هذا الرسم البياني يقدم تحليلاً للمعلومات المضللة والخاطئة بناءً على دوافع التضليل ومستوى التأثير والانتشار.

أولًا، تُظهر البيانات أن المعلومات التي كانت بدافع “خلق حالة من عدم الاستقرار” تأتي في مقدمة المعلومات والمحتويات ذات الانتشار العالي والتأثير المرتفع بنسبة (25.5%)، وهذا يعني أن المعلومات المضللة التي تهدف إلى خلق حالة من عدم الاستقرار كان لها أكبر تأثير وانتشار بين الفئات المدروسة، والدافع هنا زعزعة الأمن والاستقرار في المجتمع.

  • ثانيًا، تأتي المعلومات بدافع “خلق الذعر والخوف” في المرتبة الثانية بنسبة (10.6%) من حيث المستوى المرتفع في التأثير والانتشار، ما يؤكد فعالية هذه الوسيلة في نشر الهلع بين الأفراد، ودفعهم إلى اتخاذ إجراءات قد تؤثر على حرياتهم وأمنهم، بهدف توجيه سلوكهم نحو التخلي عن بعض الحقوق طمعًا في الأمان.

في حالة الخوف والذعر، نشرت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر اشتباكات عنيفة بالصواريخ زعمت أنه يوثق لحظة بدء الاجتياح البري الإسرائيلي لجنوب لبنان، يوم الثلاثاء 1 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

بيد أن تدقيق “تحقق” أكد أن المقطع المتداول لا يوثق بدء الهجوم البري الإسرائيلي على لبنان، بل يعود إلى نزاع عشائري في ناحية الشافي شمالي البصرة، بتاريخ 18 مايو/آيار 2021، حيث تم استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، آنذاك.

  • ثالثًا، يُبرز “توجيه الإعلام” بنسبة (8.51%) ضمن المستوى المرتفع أيضًا، ما يعكس أهمية الإعلام كأداة مباشرة في إيصال رسائل مؤثرة وسريعة إلى الجمهور، ويُستغل الإعلام هنا لإبراز رسائل معينة من شأنها التأثير على التصورات والمواقف العامة.
  • كما نجد أن فئتي “التلاعب بالعواطف” و”التشويش على العمليات العسكرية” تشهدان نسب تأثير ملحوظة في المستوى المرتفع؛ حيث حقق “التلاعب بالعواطف” نسبة (8.51% ) و”التشويش على العمليات العسكرية” (14.89%). ويُستخدم التلاعب بالعواطف لاستهداف مشاعر الجمهور واستثارتها، بينما يُعتمد التشويش على العمليات العسكرية لنشر الغموض حول الأنشطة الأمنية، مما يزيد من حالة التوتر وعدم الوضوح بين الناس.

في أبرز الأمثلة على التلاعب بالعواطف، تداول حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو زُعم أنه يُظهر طفلًا رضيعًا تحت الركام في قطاع غزة، بالتزامن مع استمرار العملية العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في شمال القطاع، في 27 أكتوبر/تشرين الأول الفائت.

لكن بعد التدقيق والتحري، تبين أن الفيديو المتداول التقط في سوريا بشكل عفوي من قبل والدتها، ولا صلة له بالأحداث الجارية في غزة. ونُشر الفيديو على “تيك توك” دون توضيحات، ما أدى إلى سوء فهم واسع في ظل الأوضاع المأساوية الحالية في القطاع، وفق ما أكدته والدة الطفلة لـ”تحقق”.

  • أما الفئات الأقل تأثيرًا وفقًا لما تم رصده، فتشمل “تشويه السمعة”، “التأثير على الرأي العام”، و”إخفاء الحقائق”، إذ تظهر بمستويات ضئيلة، مما يشير إلى تُستخدم بشكل محدود مقارنة بالفئات الأخرى، لكنها ليست أقل فاعلية وتأثيراً من الفئات الأخرى.

تُظهر هذه الواقعة أن النسب الضئيلة في فئات مثل “إخفاء الحقائق” لا تعني بالضرورة أنها غير مؤثرة أو غير خطيرة، فعلى الرغم من أن هذه الفئة تظهر بنسبة ضئيلة في البيانات، إلا أن تأثيرها يمكن أن يكون عميقًا ومدمرًا في بعض الحالات.

المحور الخامس: مستوى تأثير المعلومات حسب تصنيفها العام 

في تحليل مستوى تأثير وانتشار المعلومات حسب تصنيفها العام، يبرز الرسم البياني (الشكل رقم 6)  قوة حملات التضليل،  ومستوى انتشار وتأثير المعلومات المضللة والخاطئة المرتفع، حيث تبين أن (75%) من المعلومات المضللة التي تم رصدها خلال شهر أكتوبر/تشرين أول ذات تأثير وانتشار مرتفع، مما يعزز أن هذه المعلومات مصممة بشكل جيد للوصول إلى جمهور واسع وتحقيق تأثير قوي على الرأي العام أو السياسات.

ما يحتم على المؤسسات الإعلامية والجمهور توخي الحذر وتعزيز مهارات التحقق من المعلومات لمواجهة هذه التحديات بفعالية.
وكذلك الأمر بالنسبة للمعلومات الخاطئة التي شكلت نسبة المعلومات المؤثرة وواسعة الانتشار (80.7%)، ما يشير إلى انتشارها بشكل واسع بالرغم من عدم تعمدها الإيقاع بالضرر.
وفيما يخص النسبة المتوسطة والضعيفة تشير إلى أن جزءاً من هذه المعلومات قد يكون محدود التأثير والانتشار.

ختاماً..

تُمثل المعلومات المضللة تحديًا كبيرًا يهدد استقرار المجتمعات ويعيق القدرة على اتخاذ قرارات مدروسة، خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط حيث تفاقمت الحروب والنزاعات. نتائج الرصد خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024 تظهر أن التضليل الإعلامي لم يعد مجرد ظاهرة عابرة بل تحول إلى أداة استراتيجية تستغلها أطراف متعددة لتحقيق أهداف سياسية، اجتماعية، واقتصادية. هذه الظاهرة تكتسب تعقيدًا متزايدًا بفضل سرعة وسهولة نشر المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما يجعل التضليل ينتشر بشكل أوسع ويحقق تأثيرًا أعمق.

أمام هذا الواقع، تبرز الحاجة الماسة إلى تعزيز مهارات التحقق من المعلومات ورفع مستوى الوعي الإعلامي لدى الجمهور، ويجب أن تكون عملية التحقق من صحة المصادر ورصد المعلومات الزائفة من أولويات المؤسسات الإعلامية. إن تحسين فهم الحقائق والمعلومات الدقيقة أصبح أمرًا ضروريًا لضمان سلامة الفكر العام وحماية الأفراد من التأثيرات الضارة للمعلومات المضللة. من الضروري تبني استراتيجيات فعالة لمكافحة التضليل، لبناء مجتمع أكثر وعيًا وقدرة على مواجهة تحديات العصر الرقمي والمحافظة على استقراره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى