التقارير الشهريةتقارير ومتابعات

التضليل الإعلامي في الصراعات السياسية والعسكرية: تحليل الادعاءات الخاطئة والمضللة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024

ينشر المرصد الفلسطيني “تحقق” تقريره الشهري الخامس لشهر ديسمبر/كانون الأول 2024، بدعم من الشبكة الدولية لتدقيق المعلومات “IFCN”، في إطار جهوده  المستمرة لتعزيز الوعي وتحسين جودة المحتوى الرقمي.

يركز التقرير على دراسة وتحليل مواد التدقيق المنشورة خلال الشهر، مسلطاً الضوء على الادعاءات التي كانت محورية وهيمنت على الفضاء الرقمي الفلسطيني، ويهدف التقرير إلى استكشاف السياقات المتنوعة التي أُطلقت فيها هذه الادعاءات، وكيف ساهمت في توجيه الأنظار نحو قضايا معينة وإبرازها على الساحة الإعلامية.

ويشمل التحليل تعمقًا في الأهداف والدوافع الكامنة وراء تلك الادعاءات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، أو عسكرية، مع تسليط الضوء على تصنيفات الادعاءات، ومصادرها، ومستويات انتشارها، ومدى التفاعل معها. كما سيتم التطرق إلى الجمهور المستهدف من هذه الحملات التضليلية، في محاولة لفهم الديناميكيات التي تشكل الفضاء الرقمي خلال هذه الفترة.

أولاً: التصنيف العام للمعلومات.. استمرار ارتفاع منحنى المعلومات المضللة في ديسمبر 

في إطار منهجية المرصد الفلسطيني “تحقق” المستندة إلى المعايير العالمية لتدقيق المعلومات، تم تصنيف المحتوى الرقمي المرصود خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى ثلاث فئات رئيسية: المحتوى الخاطئ، المحتوى المضلل، والمحتوى الضار.

وجاءت النِسب مختلفة لكل تصنيف، حيث شكل المحتوى الخاطئ النسبة الأكبر من الادعاءات المرصودة (55.6%)، وهو ناتج عن نشر معلومات غير دقيقة وخاطئة، وذلك لقلة التحقق من المصادر، والنشر السريع للمعلومات دون تدقيق.

بينما مثل المحتوى المضلل نسبة كبيرة من المعلومات المرصودة في الشهر ذاته بنسبة (40.7%)، ويشير إلى استخدام معلومات صحيحة في سياقات مغلوطة أو التلاعب بالمعلومات والمحتوى بهدف التأثير على فهم الجمهور للقضايا المختلفة، ويُستخدم هذا النوع لتحقيق أهداف سياسية أو تشويه الحقائق، وللتأثير على الرأي العام.

أما المحتوى الضار فقد شكل النسبة الأقل في هذا الشهر (3.7%)، رغم قلة نسبته، إلا أن تأثيره كبير على الفئات المستهدفة، ويُستخدم هذا النوع لإثارة الذعر أو زعزعة الاستقرار النفسي والاجتماعي، مثل نشر صور أو فيديوهات صادمة تهدف إلى إثارة الكراهية أو تعزيز الانقسام.

ويظهر التحليل الإحصائي للتقارير الصادرة عن المرصد، خلال الأشهر الخمسة الماضية، تغييرات ملحوظة في نسب انتشار أنواع المحتوى المختلفة، حيث ظل المحتوى الخاطئ التصنيف الأعلى انتشارًا طوال الفترة الزمنية، ولوحظ استقرار في نسبته عند 66% في شهري أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول، ثم انخفضت بشكل طفيف في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 60%، قبل أن تشهد تراجعًا أكبر في ديسمبر/كانون الأول إلى 55.6%.

وأظهرت نسب المحتوى المضلل تقلبات ملحوظة عبر الفترة، حيث كانت 34% في أغسطس، وارتفعت إلى 40% في سبتمبر، ثم عادت إلى 34% في أكتوبر. ومع ذلك، شهدت زيادة ملحوظة في نوفمبر إلى 49% واستمرت مرتفعة في ديسمبر بنسبة 40.7%، مما يشير إلى تصاعد في استخدام التضليل الإعلامي خلال هذه الفترة.

أما المحتوى الضار فقد بقيت نسب هذا النوع من المحتوى شبه منعدمة خلال الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر، إلا أنه عاد للظهور في ديسمبر بنسبة 3.7%.

يشير التحول من المحتوى الخاطئ إلى المضلل إلى أن الجهات المنتجة للمعلومات المضللة أصبحت أكثر وعيًا بارتفاع مستوى تدقيق الحقائق، مما دفعها إلى تبني استراتيجيات أكثر تعقيدًا تعتمد على التلاعب بالمعلومات الصحيحة بدلاً من اختلاق حقائق جديدة. وهذا التطور يشكل تحديًا أكبر أمام جهود المرصد، حيث يتطلب الكشف عن هذا النوع من التضليل تحليلاً أعمق ومقاربات أكثر تقدمًا.

ويُعزى هذا التحول جزئيًا إلى السياقات المحلية والإقليمية، بما في ذلك الأحداث السياسية والعسكرية التي عززت إنتاج أنواع محددة من المحتوى المضلل والخاطئ، إلى جانب أن الأزمات الكبرى والضغوط الإعلامية الناتجة عنها تؤدي غالبًا إلى تسريع وتيرة النشر دون تدقيق، مما يسهم في زيادة انتشار مثل هذه المعلومات.

وفيما يتعلق بالتصنيفات الفرعية التي يعتمدها المرصد والمنبثقة عن التصنيفات الرئيسية له، شكل الربط الخاطئ النسبة الأكبر ضمن فئة الربط الخاطئ (29.6%)، ويعكس هذا النوع من التضليل أسلوبًا شائعًا يتمثل في تقديم  صور أو فيديوهات أو روابط أو سياقات غير صحيحة، مما يؤدي إلى تضليل الجمهور.

أما المعلومات الخاطئة فقد سجلت النسبة الثانية من التصنيفات الفرعية (22.2%)، وتشير إلى تقديم معلومات غير دقيقة، وغالبًا ما يكون سبب ذلك نقص التحقق من المصادر.

فيما شكل المحتوى القديم ما نسبته (3.7%)، وهذا النوع يشير إلى إعادة نشر معلومات قديمة على أنها جديدة، مما يسبب التباسًا لدى الجمهور ويؤدي إلى خلق انطباعات مضللة.

أما التصنيفات الفرعية للتضليل فقد شكل المحتوى المضلل منها ما نسبته (22.2%)، إذ يعد التضليل الأكثر شيوعًا ضمن  فئة التصنيف المضلل، ويستخدم هذا النوع عادة للتأثير على الرأي العام أو توجيه الرسائل بطريقة غير مباشرة لتحقيق أهداف معينة.

أما المحتوى الخاضع للتلاعب فكانت نسبته (7.4%)، وهو محتوى حقيقي خضع للتلاعب بهدف الخداع، وجاء المحتوى المفبرك بنفس النسبة، ويتعلق هذا النوع بتقديم معلومات كاذبة بشكل كامل، مما يجعل التضليل أكثر خطورة ويزيد من احتمالية تأثيره السلبي.

ثانياً: هيمنة الوسائط المتعددة على المعلومات المضللة والخاطئة

تتنوع أشكال المحتوى الخاطئ والمضلل والضار من حيث الوسائط المستخدمة، مع هيمنة واضحة للوسائط المتعددة التي شكلت النسبة الأكبر في حالات المحتوى الخاطئ بنسبة (44.4%)، تليها المحتوى النصي بنسبة (11.1%). وينطبق الأمر ذاته على المحتوى المضلل، حيث شكلت الوسائط المتعددة نسبة (22.2%)، بينما بلغت نسبة المحتوى النصي (18.5%). أما المحتوى الضار، فقد اعتمد على الوسائط المتعددة بنسبة (3.7%).

وتعكس هذه النتائج تركيز جهات التضليل على الوسائط المتعددة، مثل الصور والفيديوهات، نتيجة إدراكها لقوة تأثيرها في تحقيق أهدافها. تتمتع الوسائط المتعددة بقدرة كبيرة على إثارة ردود فعل نفسية وعاطفية لدى الجمهور، ما يجعلها أكثر فاعلية في التضليل. كما أنها توفر مصداقية بصرية زائفة تجعل الجمهور يتقبلها ويصدقها دون التحقق من صحتها، مما يعزز انتشارها وتأثيرها.

في المقابل، جاء الاعتماد على المحتوى النصي بنسبة أقل. ورغم ذلك، يظل النص أداة فعالة، خاصة عند استخدامه لدعم الوسائط المتعددة، حيث يُستخدم كوسيلة تكميلية لتوضيح الرسائل أو تعزيز مصداقيتها. وفي حالات التضليل السياسي والاجتماعي، يُعتمد على النصوص لتقديم تفاصيل تبدو “موثوقة” أو لإضافة سياقات مضللة تدعم المحتوى المرئي، مما يزيد من تأثيرها على الجمهور.

ثالثاً: منصات التواصل الاجتماعي.. ساحة رئيسية لانتشار التضليل الإعلامي

في شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، واصلت الصفحات الاجتماعية والمستخدمون على منصات التواصل الاجتماعي الاستحواذ على النصيب الأكبر بنسبة (88.9%)، وتُظهر هذه النسبة أن منصات مثل  إكس (تويتر سابقاً)، وفيسبوك، وتليجرام تُستخدم بشكل واسع لنشر المعلومات المضللة والخاطئة، مستفيدةً من سرعة انتشار المحتوى عبرها، بشكل أكبر من الحقائق.

أما الحسابات الغربية والعبرية الداعمة لإسرائيل، فقد شكلت نسبة (7.4%) من مصادر التضليل، ورغم أن هذه النسبة تبدو أقل، إلا أن طبيعة هذه الحسابات تجعلها مؤثرة بشكل كبير، حيث تعتمد على حملات دعائية منظمة تستهدف دعم أجندات سياسية محددة أو تشويه الروايات الفلسطينية.

من ناحية أخرى، سجلت المنصات الإخبارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي النسبة الأقل (3.7%) كمصدر للتضليل، ورغم انخفاض هذه النسبة، إلا أن تأثير هذه المنصات يعتبر كبيراً نظراً لمصداقيتها الظاهرة في نظر الجمهور. إذ تُظهر الدراسات أن الجمهور يميل إلى الثقة بالمعلومات الصادرة عن المنصات الإخبارية مقارنة بالمحتوى المنشور على الصفحات الاجتماعية أو من الأفراد، وهذا يعني أن المعلومات المضللة التي تصدر عن هذه المنصات يمكن أن تُحدث تأثيراً أكبر، حيث تُعتبر مصدراً موثوقاً نسبياً، مما يزيد من خطر تمرير التضليل بشكل غير ملحوظ.

رابعاً: أنماط الادعاءات المضللة: تحليل للأبعاد السياسية والعسكرية والاجتماعية والصحية

يكشف التحليل الإحصائي في هذا الجانب عن تنوع الادعاءات وفق تصنيفاتها المختلفة، حيث برزت القضايا السياسية والعسكرية كأكثر المجالات استهدافًا، بينما استُغلت القضايا الاجتماعية والصحية بشكل محدود نسبيًا، وهي على النحو التالي:

نوع الادعاءات في المحتوى الخاطئ

  1. القضايا السياسية (66.67%): يشكل المحتوى السياسي الجزء الأكبر من الادعاءات الخاطئة، مما يعكس الدور الكبير للتضليل في التأثير على الرأي العام السياسي، وغالبًا ما تُستغل القضايا الحساسة لترويج معلومات خاطئة تهدف إلى توجيه الجمهور نحو مواقف أو أفكار معينة.

ففي الأول من ديسمبر/كانون الأول 2024، رصد فريق “تحقق” خبرًا نشرته إذاعة “بانوراما” عبر “فيسبوك” يدعي استشهاد 10 أسرى فلسطينيين داخل سجون الاحتلال خلال 48 ساعة. وبعد التحقيق، تبين أن التصريح الذي نُسب إلى الناطق باسم نادي الأسير الفلسطيني، أمجد النجار، تضمن التباسًا، وفقًا لمسؤولة الإعلام في نادي الأسير، أماني سراحنة، المعلومات الدقيقة تشير إلى استشهاد أسيرين فقط من معتقلي غزة. وهذا الخطأ أدى إلى حالة من الذعر بين عائلات الأسرى وذويهم، مما يُبرز تأثير المعلومات الخاطئة في خلق حالة من القلق الجماعي.

  1. القضايا العسكرية (26.67%):

تأتي الادعاءات العسكرية في المرتبة الثانية من حيث الانتشار، حيث يتم استغلال الصراعات والأحداث العسكرية لنشر صور وفيديوهات زائفة.

في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2024، تداولت منصات التواصل صورة تزعم وقوع انفجارات في سهل الحولة نتيجة هجوم لجماعة “أنصار الله الحوثي”، وبعد التدقيق تبين أن الصورة قديمة وتعود إلى أغسطس/آب 2024، وهي توثقت لحظة إطلاق الجيش الإسرائيلي صواريخ خلال اشتباكات مع حزب الله اللبناني.

إن استخدام صور خارج سياقها الأصلي يُعد من أبرز استراتيجيات التضليل العسكري.

  1. القضايا الاجتماعية (6.67%):

يشكل المحتوى الاجتماعي أدنى نسبة بين الادعاءات الخاطئة، مما يشير إلى أن التركيز على القضايا الاجتماعية كان محدودًا مقارنة بالقضايا السياسية والعسكرية.

نوع الادعاءات في المحتوى المضلل

  1. القضايا السياسية (63.64%):

تُستخدم المعلومات المضللة سياسيًا لتوجيه الرأي العام أو تشويه الحقائق لصالح أجندات معينة، وهذا يشمل التضليل المرتبط بالانتخابات، الاتفاقيات الدولية، أو التحالفات السياسية. ووفقاً للدراسات فإن المحتوى السياسي المضلل يتميَّز بقدرته على استغلال الانحيازات الموجودة لدى الجمهور، مما يسهل انتشاره وتأثيره.

في أواخر ديسمبر من العام الماضي، تداول مستخدمون على منصة “فيسبوك” ومجموعات “تيليغرام” تصريحًا منسوبًا للمتحدث باسم حركة “فتح”، ماهر النمورة، يتضمن انتقادًا لدور اللواء الراحل فؤاد الشوبكي في عملية تهريب الأسلحة عبر البحر، زاعمين أنه أشار إلى أن هذه العملية تسببت في مقتل وإصابة مئات الصيادين الفلسطينيين ومصادرة قواربهم من قِبل الجيش الإسرائيلي. وادعى متداولو التصريح أنه صدر خلال مشاركة النمورة في حفل تأبين اللواء الشوبكي.

بعد التدقيق من قبل فريق “تحقق”، تبيَّن أن التصريح ملفق، وأن النمورة لم يشارك في بيت العزاء أو يدلِ بأي تصريح بهذا الشأن، وفقًا لتصريح ابن شقيقة اللواء، هاشم الشوبكي، الذي أوضح أن العائلة لم تُقم حفل تأبين رسمي، وإنما اكتفت ببيوت عزاء في رام الله ونابلس.

  1. القضايا العسكرية (18.18%):

يُستخدم التضليل العسكري بشكل أقل نسبيًا، لكنه يهدف إلى تشويه الحقائق حول الأحداث الميدانية أو العمليات العسكرية بهدف خلق الفوضى أو تعزيز الخوف.

  1. القضايا الاجتماعية (18.18%):

يتم استهداف القضايا الاجتماعية بشكل معتدل، مع التركيز على نشر معلومات مضللة تتعلق بالأحداث الاجتماعية الكبرى، مثل الإضرابات أو القضايا الحقوقية.

نوع الادعاءات في المحتوى الضار

القضايا الصحية (100%): تشير جميع الادعاءات الضارة التي تم رصدها إلى استغلال القضايا الصحية لنشر الذعر بين الجمهور أو التأثير السلبي على السلوكيات الصحية.

في ديسمبر/كانون الأول، نُشر خبر يفيد بإغلاق بلدة عانين غرب جنين بسبب انتشار وباء الكلب، وبعد التدقيق من قبل فريق “تحقق”، أكد مدير وزارة الصحة في جنين، د. وسام صبيحات، أن الخبر غير صحيح، وأن الحالة الوحيدة المُبلغ عنها كانت لشخص تعرض لعضة كلب وتم علاجه.

إن مثل هذه الادعاءات تسبب حالة من الهلع والبلبلة بين السكان.

خامساً: مستويات التفاعل والانتشار للمعلومات المضللة والخاطئة خلال ديسمبر/كانون الأول 

عبر الفترة، لوحظ تباين في انتشار المحتوى الخاطئ والمضلل والضار على المنصات الرقمية، وعلى الرغم من اختلاف نسبة انتشار كل نوع، إلا أن تأثيرها كان واضحًا على الجمهور.

فيما يلي تفاصيل حول انتشار هذه الأنواع وتأثيرها:

  • المحتوى الخاطئ:

شهد انتشارًا مرتفعًا بنسبة (44.4%)، مما يشير إلى قدرته الكبيرة على جذب الجمهور وتحقيق انتشار واسع بسبب طبيعته المثيرة التي تستهدف العواطف، بينما ظهر المحتوى الخاطئ بانتشار متوسط بنسبة (7.4%)، والذي حظي بتفاعل ملحوظ لكنه لم يحقق الانتشار الكبير. في المقابل، كان هناك محتوى خاطئ بانتشار ضعيف بنسبة (3.7%)، وهذا المحتوى قد يكون واجه صعوبة في الانتشار نتيجة الكشف المبكر عنه أو عدم توافقه مع اهتمامات الجمهور.

  • المحتوى الضار:

رغم انخفاض نسبته الإجمالية، إلا أن المحتوى الضار الذي انتشر بنسبة 3.7% كان ذا تأثير كبير، حيث غالبًا ما يكون موجهًا بعناية لإحداث أثر قوي على الجمهور المستهدف. ولم تُسجل نسب لانتشار متوسط أو ضعيف، مما يشير إلى أن هذا النوع من المحتوى يظهر بشكل موجه وبنطاق محدود لكنه قوي.

  • المحتوى المضلل:

انتشر بنسبة كبيرة (33.3%)، مما يعكس الطبيعة المنهجية للتضليل في استهداف جمهور واسع. بالإضافة إلى ذلك، ظهر محتوى مضلل بانتشار متوسط بنسبة 7.4%، محققًا تفاعلات معتدلة دون الوصول لانتشار واسع، ولم تُرصد نسب لانتشار ضعيف، مما يعزز الفكرة بأن المحتوى المضلل يهدف عادة إلى تحقيق تأثير كبير وواضح.

سادسًا: الجمهور الفلسطيني المحلي النسبة الأكبر من المستهدفين بالتضليل

أظهر تحليل مرصد “تحقق” أن المعلومات المضللة والخاطئة التي تم رصدها خلال الفترة الأخيرة استهدفت ثلاث فئات رئيسية من الجمهور، تفاوتت نسب الاستهداف بينها بشكل ملحوظ:

  1. الجمهور الفلسطيني المحلي (51.9%): ويشكل الجمهور الفلسطيني المحلي النسبة الأكبر من المستهدفين بالتضليل، مما يعكس تركيز المعلومات المضللة والخاطئة على القضايا اليومية والأحداث الجارية التي تؤثر بشكل مباشر على المجتمع الفلسطيني. غالبًا ما ترتبط هذه المعلومات بالقضايا السياسية والاجتماعية التي تتسم بحساسية شديدة في السياق الفلسطيني.

ويكشف المرصد أن غالبية المستهدفين هم من المستخدمين المدنيين، ما يدل على استغلال ضعف الوعي الإعلامي لدى الجمهور العام لنشر المعلومات الخاطئة، وعلى الرغم من انخفاض نسبة الصحفيين ووسائل الإعلام المستهدفة (3.7%)، إلا أن استهدافهم يحمل خطورة أكبر نظرًا لتأثيرهم الواسع على تشكيل الرأي العام.

  1. الجمهور العربي (40.7%): يحتل الجمهور العربي نسبة كبيرة من الاستهداف بالمعلومات المضللة، مما يشير إلى وجود حملات موجهة لتضليل الشعوب العربية حول قضايا متعلقة بفلسطين أو المنطقة، ويُستخدم التضليل لتحريف المعلومات وترويج روايات تخدم أجندات سياسية أو إعلامية.

وفي هذا الصدد، يركز مرصد “تحقق” على تتبع الروايات المضللة التي تستهدف الجمهور العربي، بما في ذلك الصور والفيديوهات التي تُخرج عن سياقها الأصلي وتُعاد توظيفها لخدمة رسائل معينة. لذلك فإن هذا الاستهداف يسعى للتأثير على الرأي العام العربي لتعزيز انقسامات أو ترسيخ روايات مضللة تتعلق بالقضية الفلسطينية.

  1. الجمهور الدولي (3.7%): يعد الجمهور الدولي الأقل استهدافًا، ما يعكس تركيزًا محدودًا على المجتمعات الدولية، وهذا الانخفاض قد يرتبط باختلاف الاهتمامات الإعلامية والثقافية بين الجمهور الدولي والقضايا المحلية أو الإقليمية.

يُبرز المرصد أن الاستهداف الدولي غالبًا ما يكون موجهًا نحو تضليل المؤسسات الدولية أو التأثير على الرأي العام العالمي بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ورغم انخفاض النسبة، إلا أن هذا النوع من التضليل قد يكون أكثر تعقيدًا ودقة، ما يتطلب تحليلاً عميقًا وتقنيات تحقق متقدمة.

سابعاً: دوافع التضليل وفق نوع الادعاء

في هذا القسم من التقرير نستعرض توزيع دوافع التضليل حسب نوع الادعاء في المعلومات المضللة والخاطئة التي تم رصدها خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، ويوضح الرسم العلاقة بين أنواع الادعاءات (سياسية، عسكرية، اجتماعية، صحية) والدوافع المختلفة التي تقف وراء انتشارها، وهي على النحو التالي:

  1. السيطرة على الرواية الإعلامية (25.9% – سياسي): تشكل السيطرة على الرواية الإعلامية الدافع الأكبر، حيث تستهدف الجهات المضللة الهيمنة على السرد الإعلامي السياسي بهدف تعزيز مواقفها أو إضعاف الخصوم، وتشير الدراسات في هذا الخصوص إلى أن التحكم في الرواية الإعلامية يُعد أداة مركزية في النزاعات والصراعات، حيث يُستخدم التضليل السياسي لإعادة تشكيل السرديات الإعلامية بما يخدم أجندات الأطراف المتنازعة.
  2. التلاعب العاطفي (14.8% – سياسي): يحتل التلاعب العاطفي المرتبة الثانية كدافع رئيسي للتضليل، خاصة في السياقات السياسية، يعتمد التضليل العاطفي على إثارة المشاعر السلبية مثل الغضب أو الخوف لدفع الجمهور إلى اتخاذ مواقف معينة أو خلق حالة من الارتباك، وهي استراتيجية فعالة في أوقات الأزمات.
  3. إضعاف الخصوم وزرع الانقسام (7.4% – عسكري وسياسي): وتُستخدم هذه الاستراتيجية لإثارة التوترات داخل المجتمعات أو بين الأطراف المتصارعة، ويشير هذا النوع من التضليل إلى محاولات متعمدة لتقسيم الجبهة الداخلية أو زرع الشكوك بين الحلفاء من خلال التلاعب بالمعلومات.
  4. إثارة الفوضى وزرع الشك (7.4% – عسكري واجتماعي): تسعى الجهات المضللة إلى زعزعة الثقة بالمؤسسات الرسمية أو خلق حالة من عدم الاستقرار المجتمعي، زهذا النوع من التضليل غالبًا ما يُستهدف الجمهور العام لتقويض ثقته بالمصادر الرسمية أو لتشجيع التمرد ضد الوضع القائم.
  5. إنكار الحقائق وتحريفها (7.4% – عسكري): يتمثل هذا النوع من التضليل في إنكار الوقائع الميدانية أو تشويهها لتغيير تفسير الجمهور للأحداث الجارية، وتُستخدم هذه الاستراتيجية غالبًا في النزاعات المسلحة لإخفاء الحقائق أو تقويض مصداقية الخصوم.
  6. بث الشائعات والمخاوف الصحية (3.7% – صحي): يركز على القضايا الصحية لإثارة الذعر والخوف بين الناس، كما يظهر في نشر أخبار غير دقيقة حول أوبئة أو أزمات صحية. ويشير إلى استغلال الجهل أو القلق العام لتحقيق أهداف تضليلية، خاصة في الأوقات التي تكون فيها القضايا الصحية في دائرة الاهتمام العام.

ونستنتج مما سبق ما يلي:

أولاً: هيمنة الدوافع السياسية والعسكرية: تُظهر البيانات أن التضليل يتركز بشكل كبير على القضايا السياسية والعسكرية، مما يعكس دور النزاعات والصراعات كبيئة خصبة لنشر المعلومات المضللة، حيث تُستخدم المعلومات المضللة في النزاعات كأداة نفسية لتشكيل الرأي العام أو تقويض معنويات العدو.

ثانياً: دور العاطفة كوسيلة للتضليل: يشير الاعتماد الكبير على التلاعب العاطفي إلى أن الجهات المضللة تستهدف استثارة ردود فعل قوية لدى الجمهور، حيث تؤدي المشاعر السلبية إلى تقليل قدرة الأفراد على التفكير النقدي.

ثالثاً: التضليل الصحي والاجتماعي: رغم النسب الصغيرة نسبيًا، إلا أن استغلال القضايا الصحية والاجتماعية يبرز في السياقات التي تشهد اهتمامًا كبيرًا بهذه القضايا، مثل الأزمات الصحية أو الأحداث الاجتماعية الكبرى.

رابعاً: إضعاف الثقة وزرع الانقسام: يعكس هذا النوع من التضليل محاولات تقويض الروابط الاجتماعية والثقة بين المجتمعات، وهي استراتيجية شائعة في النزاعات التي تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى