أنماط التضليل ودوافعه وسياقاته خلال شباط وآذار 2025

ينشر المرصد الفلسطيني “تحقّق” تقريره الخاص بشهري شباط وآذار 2025، بدعم من الشبكة الدولية لتدقيق المعلومات (IFCN)، وذلك ضمن جهوده المستمرة لتعزيز الوعي المعلوماتي والارتقاء بجودة المحتوى الرقمي الفلسطيني.
ويُقدّم هذا التقرير تحليلًا شاملًا للمشهد المعلوماتي خلال الشهرين المذكورين، من خلال دراسة الادعاءات التي شكّلت محور التفاعل والنقاش عبر الفضاء الرقمي، كما يستعرض السياقات التي ظهرت فيها هذه الادعاءات، والقضايا التي أُلقي عليها الضوء بفعل انتشارها.
ويتعمّق التقرير في تحليل الأهداف والدوافع الكامنة خلف نشر الادعاءات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو عسكرية، إضافة إلى تصنيفها حسب طبيعتها ومصادرها، وقياس مستويات انتشارها ومدى تفاعل الجمهور معها. كما يتناول التقرير الفئات المستهدفة بحملات التضليل، لفهم ديناميكيات الخطاب الرقمي وتحولاته خلال هذه الفترة.
المحور الأول: توزيع المعلومات وفقًا للتصنيف العام على مدار الأشهر (آب/أغسطس 2024 – آذار/مارس 2025)
على مدار الفترة الممتدة من آب/أغسطس 2024 وحتى آذار/مارس 2025، اتضح من بيانات الرصد التي أعدها مرصد “تحقّق” أن أنماط المعلومات الخاطئة والمضللة والضارة توزعت بنسب متفاوتة.
وتُبرز نتائج التحليل أن المحتوى الخاطئ تصدّر المشهد، حيث حافظ على النسبة الأكبر في معظم الأشهر، متراوحًا بين (47.2%) و(66%)، مع تسجيل أعلى نسبة له خلال شهري آب/أغسطس وتشرين الأول/أكتوبر 2024، بنسبة (66% لكل منهما).
ويعكس الحضور الكثيف للمحتوى الخاطئ أن أغلب المواد المتداولة نتجت عن نقص المعرفة أو ضعف التحقق، وليس بالضرورة عن نوايا خبيثة لنشر التضليل.
في المقابل، يظهر أن المحتوى المضلل احتفظ بنسبة ثابتة نسبيًا تراوحت بين (34%) و(51%)، مع ارتفاع ملحوظ خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بنسبة (51%).
يُشير هذا الثبات إلى وجود جهد منهجي مستمر لصناعة محتوى يدمج بين عناصر الحقيقة والخداع، بهدف التأثير على توجهات الجمهور بصورة مقصودة ومدروسة.
أما المحتوى الضار، فقد شهد ارتفاعًا استثنائيًا خلال شباط/فبراير 2025 بنسبة (13.9%)، في سياق الأحداث الميدانية الساخنة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يعكس العلاقة الوثيقة بين التصعيد الميداني وارتفاع مستوى خطورة المعلومات المتداولة.
المحور الثاني: التصنيفات العامة والفرعية للمعلومات التي تم رصدها وتصحيحها خلال شهري شباط وآذار 2025
أظهرت نتائج الرصد للمحتوى المتداول خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس 2025 أن المحتوى المضلل تصدّر المشهد بنسبة بلغت (47.25%)، تلاه المحتوى الخاطئ بنسبة (44.44%)، فيما جاء المحتوى الضار بنسبة (8.31%).
وتعكس هذه الأرقام هيمنة المحتوى المضلل على البيئة الرقمية الفلسطينية خلال هذه الفترة، مما يشير إلى أن غالبية المعلومات لم تكن مجرد معلومات غير دقيقة، بل تم تقديمها بقصد التأثير على وعي المتلقين بشكل منحاز أو مشوَّه. وتتسق هذه النتائج مع ما أكدته دراسات سابقة، بأن “المحتوى المضلل” يُعد الأخطر، نظرًا لقدرته على دمج عناصر حقيقية ضمن رسائل مضللة، مما يزيد من صعوبة كشفه.
أما المحتوى الخاطئ، الذي جاء بنسبة قريبة من المضلل، فيعبر عن التداخل الكبير في ساحة المعلومات الفلسطينية، حيث تنتشر الأخطاء في سياقات قد تُفهم أو تُستغل بشكل مضلل. ويُعزى هذا النوع من المحتوى غالبًا إلى إعادة تداول مواد قديمة، أو ضعف في المعرفة، أو سوء تقنيات التحرير، وليس بالضرورة إلى نية تلاعب مباشرة.
ورغم أن نسبة المحتوى الضار كانت الأدنى، إلا أنه يبقى الأخطر من حيث التأثير، نظرًا لارتباطه بخطاب الكراهية، أو التحريض، أو المعلومات الحساسة في المجالين الصحي والعسكري، والتي قد تُهدد حياة الأفراد. وقد لوحظ ارتفاع نسبة هذا النوع من المحتوى مقارنة بالأشهر السابقة، ما يعكس تأثر البيئة الرقمية بالتصعيد الميداني وزيادة حدة الخطاب المتوتر على المنصات الاجتماعية.
وفي سياق متصل، يعرض الشكل رقم (3) توزيع التصنيفات الفرعية للمحتوى بناءً على التصنيف العام للمرصد خلال شهري شباط وآذار 2025.
وينقسم الرصد إلى تصنيفين رئيسيين: المحتوى الخاطئ والمحتوى المضلل.
في تصنيف المحتوى الخاطئ، برزت ثلاث فئات رئيسية:
المعلومات الخاطئة بنسبة (25%)، وهي النسبة الأعلى ضمن هذا التصنيف، مما يشير إلى ضعف في مصادر المعلومات الأولية أو التسرع في النشر.
أما الربط الخاطئ بنسبة (11.1%)، والمحتوى القديم بنسبة (8.3%)، ويُصنَّف كلاهما ضمن إطار سوء السياق أو الاستخدام غير الدقيق لمعلومات كانت صحيحة في سياقها الأصلي.
أما في تصنيف المحتوى المضلل، فجاء التوزيع كالتالي:
التضليل المباشر سجل أعلى نسبة بواقع (20.8%)، ما يدل على وجود حملات أو أنماط سردية تهدف إلى خلق تصور زائف أو تأطير موجه.
والسياق المضلل بنسبة (6.9%)، والمحتوى الساخر، والتلاعب، والفبركة بنسبة متساوية (5.6%) لكل منها.
فيما تم توظيف المحتوى القديم في إطار مضلل بنسبة (2.8%)، والمحتوى الانتحالي بنسبة (1.4%).
وتعكس النتائج السابقة تفرعًا كبيرًا في أساليب التضليل، حيث أظهر الرصد استخدام تقنيات بصرية، لغوية، وفنية متنوعة، بهدف تضليل المتلقين بطرق مباشرة وغير مباشرة.
المحور الثالث: مصادر التضليل خلال شهري شباط وآذار 2025
يُبرز الشكل رقم (4) نسب مصادر المعلومات المضللة التي رصدها وصحّحها مرصد “تحقّق” خلال شهري شباط وآذار 2025، وأظهرت البيانات تصدّر الصفحات الاجتماعية والمستخدمين الأفراد عبر منصات التواصل الاجتماعي بنسبة (81.94%)، تلتها المنصات الإخبارية بنسبة (13.89%)، ثم الحسابات الغربية والعبرية الداعمة لإسرائيل بنسبة (2.78%)، وأخيرًا المصادر الرسمية بنسبة (1.39%).
وتكشف هذه النتائج عن سيطرة واضحة للمصادر الفردية على المشهد المعلوماتي، إذ أسهمت صفحات الأفراد والمستخدمين العاديين بالنصيب الأكبر من المحتوى المضلل والخاطئ، ويُعزى ذلك إلى محدودية الوعي المعلوماتي بين الجمهور، إلى جانب التأثير العاطفي الكبير خلال الأزمات، الذي يؤدي إلى تداول المعلومات دون تحقق.
أما المنصات الإخبارية، فرغم أن نسبتها جاءت أقل، إلا أن خطورتها مضاعفة، كونها تمنح المعلومات المضللة مظهرًا من المصداقية الشكلية، مما يسهم في انتشارها بشكل أوسع، خاصة عندما يتم اقتباسها أو إعادة نشرها عبر منصات أخرى مرتبطة بجهات ذات توجهات سياسية.
وفيما يتعلق بـالحسابات الغربية والعبرية الداعمة لإسرائيل، فقد شكّلت نسبة (2.78%) من مصادر التضليل، ورغم محدودية الكم، إلا أن تأثيرها الاستراتيجي يظهر جليًا من خلال محاولات التأثير على السرديات الدولية عبر التفاعل مع الأخبار بلغات أجنبية.
أما المصادر الرسمية، فقد سجلت أدنى نسبة (1.39%)، إلا أن خطورتها تتجاوز حجمها الرقمي، إذ أن التضليل الصادر عن جهات رسمية لا يقتصر على إضعاف ثقة الجمهور بالمؤسسات فحسب، بل يفاقم من أزمات المصداقية في البيئة الإعلامية، ويُستخدم كأداة ضمن استراتيجيات تضليل تكتيكية تهدف إلى إخفاء الحقائق أو تحريفها.
وفي هذا السياق، نشر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 16 آذار/مارس 2025 بيانًا زعم فيه استهداف “خلية عسكرية” في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، مدعيًا أن المستهدفين أطلقوا طائرة مسيّرة وكانوا يخططون لتنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية.
غير أن تدقيق “تحقّق” فنّد هذه المزاعم، حيث أظهر أن الغارة استهدفت مركبة تقل طاقمًا إغاثيًا وصحفيين، ما أدى إلى استشهادهم دون وجود أي أدلة تربطهم بأنشطة عسكرية. وكشف التدقيق أن الاحتلال اعتمد على بيانات مغلوطة ومفبركة جرى تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بهدف تبرير الهجوم.
المحور الرابع: طبيعة الادعاء استنادًا إلى التصنيف العام للمحتوى خلال شهري شباط وآذار 2025
يصنّف الشكل رقم (5) طبيعة المحتوى الذي تم رصده خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس 2025، ويُظهر التحليل أن المحتوى متعدّد الوسائط (الذي يجمع بين النص والصورة أو الفيديو) كان الشكل الأبرز ضمن المواد المضللة والخاطئة، حيث بلغت نسبته (33.3%) من المحتوى الخاطئ، ونسبة (26.4%) من المحتوى المضلل، في حين كانت نسبته في المحتوى الضار محدودة وبلغت (1.4%).
وتعكس هذه الأرقام تحوّلًا في طبيعة التضليل الرقمي نحو محتوى مركّب أكثر إقناعًا وانتشارًا، لا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل “إنستغرام” و”فيسبوك”، ويعتمد هذا النوع من التضليل على تعزيز التأثير العاطفي والبصري، ما يسهم في سهولة تداوله ويزيد من مصداقيته الزائفة.
أما المحتوى النصي فقد جاء في المرتبة الثانية من حيث الانتشار، حيث بلغت نسبته (15.3%) في المحتوى المضلل، و(9.7%) في المحتوى الخاطئ، بينما تصدّر قائمة المحتوى الضار بنسبة (5.6%).
وتشير هذه النتائج إلى أن النصوص المكتوبة، بما في ذلك السرديات المضللة والاقتباسات المزيفة، لا تزال تحتفظ بفاعلية كبيرة في إنتاج التضليل، خصوصًا عندما تكون مختصرة وسهلة التداول، الأمر الذي يبرز أهمية التدقيق التحريري وفحص السياق للنصوص المنشورة.
وفيما يتعلق بالمحتوى المرئي (الصور والفيديوهات)، فقد أظهرت النتائج أنه الأقل انتشارًا من حيث الكمية، مع نسب تراوحت بين (1.4%) و(5.6%)، إلا أن تأثيره يظل عاليًا وخطيرًا، وتؤكد الدراسات أن الصور والفيديوهات المفبركة أو المجتزأة تُستخدم بشكل مكثّف عندما يكون الهدف إثارة المشاعر أو خلق انطباع مصداقية بصرية، ما يزيد من خطورة استخدامها في حملات التضليل.
المحور الخامس: دوافع التضليل استنادًا إلى نوع الادعاء في المعلومات المضللة والخاطئة خلال شهري شباط وآذار 2025
يمثّل الشكل رقم (6) دوافع التضليل بناءً على فئة ومجال الادعاء، وتُظهر النتائج أن المعلومات السياسية كانت دوافعها في المقام الأول إحداث الفوضى وزرع الشك بنسبة (26.4%)، تلتها السيطرة على الرواية الإعلامية بنسبة (19.4%)، ثم التلاعب العاطفي بنسبة (5.6%)، وإضعاف المعنويات بنسبة (5%)، وأخيرًا إنكار الحقائق والتغطية على الخسائر العسكرية بنسبة (1.4%).
أما في المجال الاجتماعي، فتمثّل الدافع الأبرز للمعلومات المضللة في زرع الفوضى والشك بنسبة (6.9%)، يليه التلاعب العاطفي بنسبة (4.2%)، ثم دوافع: إضعاف المعنويات، التحريض وزرع الانقسام، السيطرة على الرواية، وإنكار الحقائق الإعلامية، بنسبة (1.4%) لكل منها.
وفيما يخص المعلومات العسكرية، كان الدافع الأبرز هو السيطرة على الرواية الإعلامية بنسبة (4.2%)، تليها دوافع: التحريض وزرع الانقسام، إحداث الفوضى وزرع الشك، وإضعاف المعنويات بنسبة (2.8%) لكل منها، بالإضافة إلى تبرير الأعمال العسكرية بنسبة (1.4%).
أما في المجال الاقتصادي، فكان دافع التضليل الأساسي هو إحداث الفوضى وزرع الشك بنسبة (4.2%)، بالإضافة إلى تبرير الأعمال العسكرية بنسبة (1.4%).
وفيما يلي تحليل دوافع التضليل استناداً إلى طبيعة الادعاءات التي رصدها المرصد عبر الفترة:
أولاً: المجال السياسي، تركز التضليل في هذا المجال على تحقيق أهداف استراتيجية واضحة، حيث تصدرت دوافع زرع الفوضى والشك بنسبة (26.4%)، والسيطرة على الرواية الإعلامية بنسبة (19.4%)، بالإضافة إلى التلاعب العاطفي وإضعاف المعنويات. ويتماشى هذا التوزيع مع نظرية “التحكم بالسردية السياسية”، التي تشير إلى أن التضليل يُستخدم لتفكيك الثقة بالرواية الرسمية، وزرع التردد، وخلق واقع إعلامي بديل.
كما تؤكد النتائج أن البيئة السياسية الفلسطينية، في ظل الاحتلال والانقسام، تُعد أرضًا خصبة للاضطرابات النفسية والمعلوماتية.
ثانيًا: المجال الاجتماعي، يستهدف التضليل هنا تفكيك الثقة وزعزعة التماسك الاجتماعي، حيث تمثلت أبرز الدوافع في زرع الشك بنسبة (6.9%)، يليه التلاعب العاطفي بنسبة (4.2%)، وتوزعت بقية الدوافع بالتساوي بنسبة (1.4%) لكل منها.
ويشير هذا النمط إلى محاولات استهداف بنية الثقة المجتمعية، خصوصًا في أوقات التوتر وضعف الثقة بالمؤسسات. ويُستخدم التلاعب العاطفي لإثارة مشاعر الغضب أو الشفقة أو الخوف، ما يدفع الجمهور إلى تبنّي مواقف دون تحقق دقيق، ويُظهر تنوع الدوافع استخدام أساليب هجوم معلوماتي متعددة دون الاعتماد على استراتيجية واحدة فقط.
وفي هذا الإطار، تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي صورة زُعم أنها لمجندة إسرائيلية دخلت قطاع غزة ضمن صفوف الجيش وعادت حاملاً. غير أن تدقيق “تحقّق” أثبت أن الصورة تعود لطفلة إسرائيلية تُدعى “أدفا مريم عوفاديا” من مدينة عكا، والتي انتحرت نتيجة التنمر، دون أي علاقة بخدمة عسكرية.
وتُظهر هذه الحالة كيف تولّد المعلومات المفبركة مشاعر متباينة قد يكون تأثيرها عكسيًا على المتلقي.
ثالثًا: المجال العسكري، وينصبّ التضليل في هذا المجال على بناء روايات تُبرر الانتهاكات أو تُخفي آثارها.
وكان الدافع الأساسي هو السيطرة على الرواية بنسبة (4.2%)، تليه دوافع التحريض والانقسام، زرع الفوضى، وإضعاف المعنويات بنسبة (2.8%) لكل منها، وتبرير الأعمال العسكرية بنسبة (1.4%)، كما تُشير النتائج إلى أن التضليل العسكري غالبًا ما يُستخدم كامتداد للعمل الميداني، بما يتسق مع دراسات “الحرب النفسية” و”عمليات المعلومات العسكرية”، حيث يكون الهدف بناء سردية تبريرية وتحطيم الثقة داخل المجتمع الفلسطيني.
رابعًا: المجال الاقتصادي، ورغم محدودية حجم التضليل في هذا المجال، إلا أن توظيفه كان محسوبًا واستراتيجيًا، حيث برز دافع زرع الشك بنسبة (4.2%)، وتبرير الأعمال العسكرية بنسبة (1.4%). ويعكس هذا النمط محاولة التأثير على الثقة بالقدرة الاقتصادية، أو تبرير العقوبات والحصار والانهيار المالي كنتائج “مبررة” للعمليات العسكرية.
كما يُستخدم التضليل للتلاعب بالرأي العام حول التبرعات، المساعدات، وأسعار السلع.
وفي هذا السياق، تداول مستخدمون عبر مجموعات “واتساب” بتاريخ 18 آذار/مارس 2025، تسجيلًا صوتيًا يدّعي فيه المتحدث العثور على حمير في بلدة بيت وزن غربي نابلس لبيع لحومها، مرفقًا بصورة لحمار مذبوح.
وقد أكد تدقيق “تحقّق” أن الادعاء غير صحيح؛ حيث نفت وزارة الاقتصاد الوطني والضابطة الجمركية صحة هذه المزاعم، موضحتين أنها مجرد إشاعة. أما الصورة المتداولة، فتعود إلى عام 2023، حيث سبق نشرها وأُشير حينها إلى أنها التُقطت في إثيوبيا. وتكمن خطورة هذه المعلومات في الإرباك والذعر الذي تسببه بين الجمهور.
المحور السادس: تصنيف المعلومات وفقًا للقطاعات المستهدفة والجمهور المتلقي خلال شهري شباط وآذار 2025
يُظهر الشكل رقم (7) تصنيف المعلومات المضللة والخاطئة وفقًا للقطاعات المستهدفة والجمهور المتلقي خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس 2025.
ووفقًا للنتائج، فإن الجمهور المحلي الفلسطيني تعرّض بنسبة (55.78%) للموضوعات السياسية، تليها الموضوعات الاجتماعية بنسبة (23.28%)، ثم الموضوعات العسكرية بنسبة (11.56%)، وأخيرًا الموضوعات الاقتصادية بنسبة (7.04%).
ويُشير هذا التركيز المرتفع على الموضوعات السياسية إلى استهداف الجمهور الفلسطيني بتضليل ذي طابع سياسي داخلي، غالبًا مرتبط بالمواقف الرسمية، أو الصراعات بين الفصائل المحلية، أو النزاع مع الاحتلال الإسرائيلي.
في هذا السياق، تداولت حسابات عبر تطبيق “واتساب” خبرًا منسوبًا للقناة السابعة العبرية، يفيد ببدء عملية عسكرية إسرائيلية في نابلس تشمل مخيم بلاطة، البلدة القديمة، ومخيم العين، مع الإغلاق الكامل لجميع الحواجز المؤدية إلى المدينة.
وقد تحقّق فريق “تحقّق” من صحة الخبر بالتواصل مع الارتباط الفلسطيني في نابلس، الذي نفى صحة هذه الادعاءات، مؤكدًا عدم تلقي أي تبليغات رسمية حول إغلاق الحواجز أو بدء عملية عسكرية، وشدّد الارتباط على أن الإشعارات الأمنية تسبق العمليات بفترة قصيرة، وليس بفارق زمني طويل كما ورد في الادعاء. وقد أثارت هذه الإشاعة حالة من الجدل والإرباك بين المواطنين.
أما بالنسبة إلى الفئة الاجتماعية، فقد عكست نسبة (23.28%) استهدافًا واضحًا للبنية المجتمعية والروابط الاجتماعية، من خلال نشر الشائعات، وسرديات التفرقة، والمعلومات التي تزعزع الثقة المجتمعية.
وفيما يخص الموضوعات العسكرية (11.56%)، فقد استهدفت الإدراك الميداني للفلسطينيين، من خلال تضخيم الانتصارات أو نفي بعض الأحداث، ما يجعل هذا النوع من المعلومات حساسًا ويحمل أبعادًا نفسية واضحة.
كما أظهرت النتائج أيضاً أن استهداف الجمهور الدولي اقتصر بشكل كامل على الموضوعات السياسية بنسبة (100%)، ما يعكس محاولة منهجية لصياغة روايات سياسية تخدم طرفًا محددًا في النزاع، باستخدام لغات أجنبية، وصور مؤثرة، وشعارات ذات طابع إنساني أو عالمي، بهدف التأثير على الرأي العام الغربي والدولي.
فيما تعرّض الجمهور العربي بنسبة (73.94%) لموضوعات سياسية، ونسبة (11.17%) لموضوعات عسكرية، وما نسبته (7.45%) لموضوعات اجتماعية، والموضوعات الاقتصادية بنسبة (3.72%).
ويُعد هذا الجمهور ساحة رئيسية لتداول الروايات المتعلقة بالصراع، حيث تعكس النسبة العالية للمحتوى السياسي (74%) رغبة في كسب التعاطف العربي أو توجيه المواقف الجماهيرية، بينما يشير الحضور العسكري إلى تضخيم الأحداث الميدانية أو تقديمها خارج سياقها الأصلي.
كما تستغل الموضوعات الاجتماعية البعد العاطفي، الأخلاقي، والديني لتحفيز التفاعل والانخراط الخطابي لدى الجمهور العربي.
المحور السابع: مستويات انتشار وتأثير المعلومات المضللة والخاطئة خلال شهري شباط وآذار 2025 وفقًا لطبيعة الادعاء
يُظهر الشكل رقم (8) أن المحتوى السياسي يُعد الأعلى من حيث الانتشار والتأثير، حيث بلغت نسبة انتشاره المرتفع جدًا (47.2%)، وهي الأعلى مقارنة بجميع المجالات الأخرى، في حين بلغت نسبة انتشاره المتوسط (13.9%).
وتؤكد الدراسات المتخصصة أن المحتوى السياسي، خصوصًا في مناطق النزاع، يمتاز بقابلية أكبر للانتشار، نظرًا لقدرته على إثارة الجدل والانقسام، واعتماده على الرمزية والانحياز العاطفي، بالإضافة إلى تكراره عبر مصادر متنوعة ومتداولة شعبيًا (رسمية، معارضة، مجتمعية).
في هذا السياق، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنباء تدّعي صدور مرسوم رئاسي بتعيين محمد دحلان نائبًا للرئيس الفلسطيني لحين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
وقد كشف تدقيق “تحقّق” أن هذا الادعاء غير صحيح، حيث أكد الناطق باسم حركة “فتح”، عبد الفتاح دولة، لـ”تحقّق”، عدم صدور أي قرار رسمي بهذا الشأن، موضحًا أن المجلس المركزي سيناقش في اجتماعه القادم (نيسان/أبريل) مسألة استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتشير النتائج أيضًا إلى أن المحتوى الاجتماعي يحتل المرتبة الثانية من حيث الانتشار بنسبة (6.9%)، مع تركز ملحوظ في المستويين المتوسط والعالي، بينما كانت نسبة انتشاره الضعيف منخفضة نسبيًا.
ويعكس هذا أن القضايا الاجتماعية، مثل الشائعات حول الشخصيات العامة أو الأخبار المتعلقة بالهوية والعادات المجتمعية، تحظى بتفاعل عاطفي سريع على المنصات الاجتماعية، حتى في حال عدم دقتها.
أما بالنسبة إلى المحتوى العسكري، فقد أظهرت النتائج أنه يتمتع بمستوى انتشار محدود إلى متوسط، ولا يظهر كمجال ذي انتشار مرتفع. ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل، منها غياب الصور أو الفيديوهات الداعمة، تعقيد المصطلحات العسكرية، ضعف الوصول إلى معلومات دقيقة، أو قيام بعض المنصات بتقييد نشر هذا النوع من المحتوى لأسباب سياسية أو أمنية.
وفيما يخص المحتوى الاقتصادي، فقد كان الأضعف انتشارًا وتأثيرًا خلال شهري شباط وآذار، سواء على مستوى الانتشار المرتفع أو المتوسط، مما يعكس ضعف اهتمام الجمهور بهذا النوع من المحتوى مقارنة بالمجالات الأخرى.
يكشف التحليل بشكل عام عن سطوة المعلومات المضللة والخاطئة خلال شهري شباط وآذار 2025، بما يعكس اتجاهًا متزايدًا نحو التلاعب بالحقائق من خلال إعادة تدوير الأخبار، الاجتزاء، وربط الأحداث بشكل مضلل، مع تصاعد الاعتماد على الوسائط المتعددة لصياغة محتوى أكثر تأثيرًا وانتشارًا.
ويؤكد التقرير أن وسائل التواصل الاجتماعي ما تزال تشكل المنصة الرئيسة لتداول هذه المعلومات، في ظل غياب رقابة كافية، ما يفتح المجال أمام توجيه الخطاب الإعلامي لخدمة أهداف سياسية ونفسية محددة.
بصورة عامة، يُبرز هذا المشهد الإعلامي المزدوج بين الحقيقة والتضليل الحاجة الماسّة إلى تعزيز ثقافة التحقق، وترسيخ مهارات التفكير النقدي والوعي الإعلامي، كخطوط دفاع أساسية لمواجهة تصاعد ظاهرة التضليل في الفضاء الرقمي.